مسعود أحمد بيت سعيد
الأسبوع الماضي ناقش مجلس الشورى مُقترحًا بتعديل المادة الأولى من المرسوم السلطاني رقم (9/ 72) الخاصة بقانون مقاطعة إسرائيل، وهي المادة التي تنص على حظر عقد اتفاق مُباشر أو غير مُباشر مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل ويحملون جنسيتها أو يعملون لحسابها.
ويأتي التعديل ليكون أكثر توسعًا وشموليةً، وقد أُحيل المقترح إلى اللجان المختصة لإبداء الرأي. وبصرف النظر عن النتيجة، فإنَّ الموضوع في جوهرهِ أبعد من كونه إجراءً قانونيًا؛ إذ أيقظ مخاوف التطبيع من جديد، ولذا سيكون من المُفيد استجلاء طبيعته واستشراف أبعاده ومدلولاته.
ومن أجل ذلك نُركِّز على نقطتين جوهريتين ايجابيتين؛ الأولى: المناخ العام الذي تجري في ظله مثل هذه المقترحات والنقطة الثانية: طبيعة المقترح نفسه والذي يُعد بحق سابقة نوعية في تاريخ العمل البرلماني العماني؛ حيث لأول مرة يتم مناقشة هذا المرسوم السلطاني والمطالبة بتوسيعه، ناهيك عن تناول قضية سياسية استراتيجية وإخراجها من أروقة المجلس وعرضها على الرأي العام. ولا شك أنَّ هذا في حد ذاته تحول كبير يؤكد ما ذهبنا إليه في مقالات سابقة بأن العهد الجديد يُمثِّل مدرسة في الحكم تميل إلى العمل المؤسساتي.
ومن الطبيعي أن يصطدم هذا الخيار بمجموعة عراقيل داخلية وخارجية تتعارض مع مثل هذا التوجه.. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما الأسباب والدواعي التي تطلبت فتح هذا الموضوع في هذا الظرف تحديدًا؟ وهل توجد غاية أخرى خلفه؟ وإذا وُجدت فما هي؟
أعتقدُ أن هناك احتمالين لا ثالث لهما، يقفان وراء فتح هذا الملف؛ الاحتمال الأول: الضغوط التي قد تتعرض لها سلطنة عُمان، والاحتمال الثاني: تهيئة مجلس الشورى ومن ثم استخدامه لاحقًا في تغطية أية اتفاقية مُحتملة. وهذان الاحتمالان سيبقيان قائمان حتى تنجلي الأمور، ورغم ذلك توجد معطيات وحيثيات إيجابية تسمح باستنتاجات خاصة. الحيثية الأولى: تصريح معالي السيد وزير الخارجية قبل أيام لوكالة إرنا الإيرانية أكد خلالها أن قرار مجلس الشورى بتجريم التطبيع مع إسرائيل يُعد تجسيدًا لتطلعات الشعب العماني وسائر الدول الإقليمية من أجل التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفقًا للمعايير الدولية ومبادرة السلام العربية، وهو تأكيد لما سبق وأن أدلى به لجريدة الشرق الأوسط السعودية بتاريخ 10 يوليو 2021 عندما قال إن سلطنة عُمان لن تكون الدولة الثالثة التي تُطبِّع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
أما الحيثية الثانية فهي عدم السماح باستخدام المجال الجوي العماني أمام الطيران الإسرائيلي، ولم يصدر أي تصريح رسمي بالسماح له حتى الآن. الحيثية الثالثة: انسحاب طيران السلام من معرض البحرين الدولي للطيران بسبب المُشاركة الإسرائيلية، إضافة إلى انسحاب بعض الكتاب العمانيين من فعاليات ثقافية تتواجد فيها إسرائيل.
هذا بالمجمل يُشكّل سياقًا عامًا وإلى حدٍ كبيرٍ يُعاند الضغوط الخارجية؛ الأمر الذي يدفعنا إلى استبعاد إمكانية التطبيع في هذه الفترة الزمنية. ولا شك أن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة- والذي يقال إنه موعود بصفقة تطبيع جديدة- لن يتوانى عن استخدام نفوذه الواسع لدى الإدارة الأمريكية في تعجيل إتمام هذه الصفقة، وذلك تحسبًا للمتغيرات الإقليمية والدولية.
من هنا، فإنَّ الحالة الشعبية يجب أن تكون حاضرةً ومساندةً بكل الأشكال والوسائل التعبيرية والندوات، بحيث يتبلور رأي عام قادر على إسماع صوته، تستند إليه السُلطة السياسية في مواجهة المخاطر والتحديات، وتبقى نقطة بديهية أساسية وهي أن الشعوب العربية تلتفُ حول الأنظمة بقدر اقترابها من القضايا القومية وفي مُقدمتها القضية الفلسطينية، وتطالبها على الدوام بتعزيز مكامن الصمود الداخلي، بحيث تكون أكثر انحيازًا للقطاع العريض الذي يمثّل القاعدة الصلبة في حماية الخيارات الوطنية والقومية.