شباب للتنمية

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

يمثل الشباب ما يقارب ثمانية عشر في المئة من مجموع سكان العالم والعدد في ازدياد، وهذه النسبة تعد الأعلى على مدى التاريخ الإنساني وفقاً لمنظمات دولية، إنهم ركائز الأمم وأداة التطور والتنمية، في مرحلة الشباب تتشكّل شخصية الفرد وتنضج من خلال ما أكتسبه من معارف ومهارات والنضوج في العلاقات الاجتماعية إنها مرحلة بناء المستقبل والطموح والآمال الكبيرة.

تتسم هذه المرحلة بالحيوية وحب الاستطلاع والاكتشاف والمغامرة، هي مرحلة مفعمة بالطاقة والنشاط والحماسة والأفكار الجديدة والبحث عن استقلالية وإثبات الذات، هذه المرحلة من دون المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان يبحث فيها الفرد عن إجابة عن تساؤلاته العميقة لإدراك وفهم ما حوله؛ لذلك عادة ما تكون المرحلة معروفة بكثرة النقد للواقع المعيش لأن الأفكار مازالت مثالية ولم تلوث بعد بخبرات واقعية .فالفرد في هذه المرحلة لا يقبل الإملاءات أو الضغط ولا يميل للامتثال للأوامر إن كانت لا تتوافق مع قناعاته.

تظل خطوات المجتمع متعثرة وبطيئة عندما يتم إقصاء أحد مكوناتها الأساسية، في مقابل ذلك فإنَّ من السهل استغلال طاقات مرحلة الشباب وتطويعها لأنها تتسم بسرعة الاستجابة للمتغيرات وتقبل الجديد والمشاركة في صنع الواقع كما يحبه، من خلال إشراك الشباب في تغيير الواقع السلبي والمساهمة في حل المشكلات المجتمعية بأفكاره المبتكرة.

هناك علاقة وطيدة بين الشباب والتنمية فالتنمية تسعى إلى تعزيز قدرات الفرد وتوجهاته وميوله وهي كذلك ترقى بقدراته وتحفظ له مصالحه وحريته، فهي تعمل على تمكين الإنسان وتحويله إلى فرد صالح في المجتمع يمتلك من القدرات ما يساعده على تلبية احتياجات المجتمع واحتياجاته. إن الشباب يواجهون تحديات كبيرة كالبطالة وقلة الوظائف، هذه التحديات تشكل قنبلة موقوته أمام المجتمعات لأنها طاقات بلا توجيه أو رعاية.

الشباب في كل العالم يتشابهون، إلّا أنَّ متطلباتهم وأدوارهم تختلف من مجتمع إلى آخر، فهناك مجتمعات استطاعت أن تفوض الشباب وإشراكهم في كافة مفاصلها فتجد لمساتهم حاضرة في الطرقات والجسور والأبراج والمدن والقرى والحدائق العامة والشواطئ... لمسات تشعرك بالحياة والتفرد.

مقابل مجتمعات أخرى تعاملت مع الشباب وطاقاتهم كمشكلة وشوكة في خاصرة المجتمع، فترى جهودهم مهدرة وطموحاتهم تلاشت في الهواء. في تلك المجتمعات أصبح الشاب يفقد بريقه شيئًا فشيئًا حتى يتحول من عنصر منتج إلى خطر وعالة وجب إطعامها حتى يخف الضغط على المجتمع، وهذا يعد منظورا سلبيا في التعامل مع الموارد المنتجة.

ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد؛ بل يتحول إلى كائن سلبي مستهلك غير مبال بمشكلات المجتمع لأنها ببساطة أهملته فيتعامل مع الإهمال بردود فعل سلبية لتفريغ طاقاته من خلال المخدرات والإجرام والانحراف لتعبئة فراغه.

في السنوات الأخيرة ظهر مفهوم الشراكة كنهج رائد وأسلوب ناجع لإشراك الشباب في المجتمع بهدف تلبية احتياجاتهم ومعالجة مشكلة الفراغ والبطالة وإعطائهم الفرصة للمشاركة في صناعة القرار وتحمل المسؤولية والقيادة وحل المشكلات بإشراف ودعم من أصحاب الخبرات والكبار ومشاركتهم.

الأبحاث والدراسات تشير إلى أن الأسرة تؤدي دورًا مهمًا في دعم وتوجيه الشباب للمشاركة في الأنشطة التعاونية والتطوعية في المنزل ومن ثم في المجتمع؛ لذلك نرى نشوء مجالس الشباب الاستشارية ووسائل إعلام خاصة بالشباب لدعم هذا التوجه في كافة القرى والمدن.

والدور التعاوني والتطوعي للشباب لا يقتصر على حملات تنظيف المرافق العامة والشواطئ وجمع التبرعات للجمعيات الخيرية.

واحتواء الطاقات عن طريق المؤسسات الرسمية والأهلية وبرامج التنمية الشبابية لتصل إلى مرحلة اتخاذ القرار وتنفيذ البرامج التنموية والخطط؛ فالشباب يمكنهم المساهمة في وضع أهداف التنمية لكل محافظة، كونهم أكثر الفئات التي ستستفيد من التنمية. وبمجرد أن ينزل الشباب إلى الواقع في عمق المشكلات سيبني منظوره الخاص لطبيعة المشكلات التي تواجه المجتمع حينها، سيشعر الشباب أن لهم قيمة ودور سيكون تفاعلهم مع المشكلات بشكل مختلف وأكثر إيجابية.

فلا يمكن أن ننسى أن الإحساس بالمشكلة ورؤيتها عن قرب بلا تجميل، سيعظم شعور الشباب بحجم المشكلة، ومع تنفيذ حلولهم ومقترحاتهم سيعمل الشباب على المحافظة عليها قدر المستطاع لأنها أفكارهم.

وهذا سيساهم في عملية التطوير الاجتماعي في المجتمع، كما سيساهم في ظهور قيادات شبابية تمتلك مهارات التخطيط والإدارة والتنفيذ؛ فالمواهب تعد رأس المال الفكري لأي مجتمع ومن الضروري توظيفها في خدمة المجتمع ليس فقط على جدران المعارض والمتاحف والمناسبات المختلفة فهم يملكون مجموعة من المواهب الإبداعية يمكن استغلالها في تجميل المدن والقرى بتوظيف فنون كفن الجرافيتي الذي يعد من الفنون الشبابية بلا منازع . لماذا لا يتم تشكيل مجالس شبابية في كل قرية ومدينة تقوم بدور التطوير وحل مشكلات المجتمعية على اعتبارهم جزءا من الحل.

إنَّ العالم يتجه إلى منح مساحات أكبر للشباب في صناعة التنمية لأنهم قادرون على إحداث التغيير؛ فشباب بلا أحلام أو طموح، كفصل الربيع بلا زهورٍ.