علي بن مسعود المعشني
أُسدل الستار على "احتفالية" سلطنتنا الحبيبة بانتخابات الدورة الثالثة من ممارسة المجالس البلدية؛ حيث بلغ عدد الناخبين المصوتين وفق رصد وزارة الداخلية 288469 ناخبًا وناخبة أي بنسبة 39.42% من إجمالي الناخبين.
نسبة التصويت تعتبر جيدة مقارنة مع عدد من التجارب المماثلة حول العالم وفي جغرافيات مختلفة، وما يهمنا نحن في سلطنتنا الحبيبة هو الحديث عن الممارسة العصرية للعمل البلدي والذي يُعد امتدادًا للسبلة والدكة والبرزة وجميعها مفردات تُعنى بالشأن المحلي للحارة والقرية والمدينة والولاية فيما مضى من الزمن، والجديد اليوم هو تقنين هذه الثقافة وتكييفها مع لغة العصر ومتطلبات مفردات التنمية الشاملة في الدولة العصرية الحديثة.
كثيرة هي الآمال المُعلقة على المجالس البلدية في الولايات والمحافظات وخاصة في هذه الدورة الوليدة بالتحديد والسبب تزامنها مع التوجيهات السامية لمولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بمنح الاستقلالية المالية والإدارية التدريجية للمحافظات وإطلاق يدها في ممارسة مفردات التنمية المحلية في ولاياتها وفق الأولويات والحاجات لكل ولاية وساكنيها، فلكل محافظة من محافظات السلطنة خصوصية وتميز وحاجات للأرض والسكان تختلف عن الأخرى، وهذا الاختلاف التكاملي والمُثري للدولة يمكن توظيفه وتحقيق العوائد النافعة منه من قبل أبناء كل محافظة وفق رؤاهم وتطلعاتهم وأولوياتهم.
الاستقلال المالي والإداري الممنوح للمحافظات اليوم لا شك عندي أنه سيكبر ويتسع وفق الممكنات المالية والثروات الطبيعية التي حبا الله بها كل محافظة وبما يحقق الإثمار والنفع للمحافظة وللخزينة العامة للدولة بالنسبة والتناسب.
ما يهمنا اليوم هو الحديث عن الممكنات "المهدورة" والتي لا تحتاج في تقديري سوى إلى عقليات تنظيمية في كل محافظة تُعيد تدوير الممكنات وترتيب الأولويات وتوظيف القائم بما يحقق العوائد النافعة والمُجزية للأرض والإنسان.
يأتي على رأس توظيف القائم واستغلال الممكنات في تقديري وفي جميع المحافظات وبلا استثناء، تحقيق الاستفادة من المنشآت الحكومية القائمة كالمدارس والحدائق والكليات والجامعات- كمثال- لتحقيق النفع للمجتمع المحلي بكل محافظة، وذلك عبر استغلال مساحات مُهيئة ومخصصة من تلك المنشآت لرفاهية ونشاط وفعاليات المجتمعات المحلية وذلك لقابليتها الكبيرة لهذا الأمر، وبأقل التكاليف والتجهيزات الضرورية، كما يمكن للمجالس البلدية استنهاض المجتمعات المحلية في كل محافظة للقيام بحملات تطوعية دائمة وفي جميع المجالات الصحية والبيئية والثقافية والرياضية والاجتماعية.... إلخ، مع التركيز على الحاجات الرئيسة للمجتمع ومتطلبات الظرف الزمني، وبما يخدم الشأن المحلي، ويخفف عن كاهل الحكومة كفرص تشغيل الشباب الباحث عن عمل، وجبر ضرر الراغبين في تحسين دخولهم الشهرية من الفئات الاجتماعية المعروفة.
في ظل الضائقة المالية التي يمر بها العالم وسلطنتنا جزء منه، لا أُخفي تطلعي في حال تحسن الأوضاع المالية وتعاظم عوائد الدخل إلى إمكانية تفويض كل محافظة في استغلال مواردها المالية من الرسوم والضرائب كليًا أو جزئيًا وإعادة تدويرها في مفردات التنمية المحلية، وبما يُحقق قيم مُضافة للاقتصادات المحلية للمحافظات حتى تصل المحافظات إلى الاستقلال المالي التام عن الخزينة العامة للدولة، بل وكي تصبح رافدًا للخزينة العامة في المستقبل.
لا شك عندي أن ممارسة العمل البلدي قد تعدت التجربة بمراحل للأسباب التاريخية التي سردتها آنفًا وللثقة والمباركة السامية لها لكي تكون سمة من السمات المضيئة للعهد الجديد بقيادة مولانا السلطان هيثم المُعظم.
جميع خطواتنا فيما مضى كانت تجارب تنمو وتزدهر على الدوام عدا المجالس البلدية ولدت مُمارسة من قلب تاريخنا طُورت وقُننت فأثمرت سريعًا، وهو المأمول والمرجو منها.
قبل اللقاء: "الأنهار العظيمة تجري بصمت".
وبالشكر تدوم النعم.