زينب بنت علي

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

الباحث والمُتأمل في أمهات المصادر التأريخية والإسلامية يرى أنَّ الله تعالى عندما خلق البشر خلق ثلاثًا من النساء، تحملن مع ثلاثة من الرجال أثقال الديانات وخاتمة النبوات: السيدة خديجة مع زوجها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، والسيدة فاطمة الزهراء مع زوجها خليفة المُسلمين الإمام علي بن أبي طالب، والسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب مع أخيها سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي.

النسوة الثلاث من أهم النساء في الإسلام في تحمل المسؤوليات الجسام، لحفظ المبادئ القيمية والدينية والاجتماعية، ومن الصعب أن نتحدث في مقال واحد عن فضائلهن ودورهن الفاعل آنذاك، لذا ساختار الحديث عن إحداهن وهي السيدة العفيفة والمباركة الجليلة زينب بنت علي بن أبي طالب، صاحبة الشخصية الحركية والإبداعية بامتياز، والتي كانت تخطط وتبرهن وتعد وتستعد وتنفذ من أجل الدفاع عن القيم والمبادئ الدينية والاجتماعية.

عندما نُريد الحديث عن زينب بنت علي لا بُد أن نعلم أننا لا نتحدث عن شخصية عادية ذكرها التأريخ الإسلامي فحسب، بل نتحدث عن شخصية عملاقة صنعت التأريخ، وجسدت أقوى مظاهر الإرادة، وأقوى مظاهر قوة الصمود فكانت صاحبة الدور الاجتماعي الفاعل في مجتمعها وأسرتها، ولا يخفى على من تتبع التأريخ الإسلامي أن زينب بنت علي كانت امتدادًا لنساء البيت النبوي العظيم، وهي المثال العظيم الذي يقتدى به في العفة والحجاب والسداد، والعفة للمرأة هي إحدى الفضائل العظيمة التي اعتنى بها الإسلام الحنيف وشجعها، بل وأراد من المرأة تطبيقها في حياتها الاجتماعية بهدف حفظها من ذئاب البشر، وتطبيقاً لأحكام الله تعالى وأوامره.

كانت العقيلة زينب بنت علي أنموذجًا بارعًا بين النساء بعفتها وهيبة جلالها، قدمها الإسلام بفخر كشخصية عفيفة وصابرة وعابدة وعالمة وصالحة، جسدت شخصيتها المباركة أعلى معاني العفاف، بالتزامها بحجابها وتعاليم دينها، أدت مسؤولياتها الاجتماعية والأسرية على أكمل وجه، فكانت بارعة في تربية أبنائها، ناشرة للعلم والوعي الاجتماعي بين أفراد أسرتها ومجتمعها، تعلمت الأجيال منها الصبر والصمود ولا زالت مُلهمة لهم لما تركته من إرث علمي وأخلاقي عظيم.

كان بينها وبين أخيها الحسين بن علي، علاقة مُتميزة وكبيرة، لا يمكن لأحد وصفها أو التعرض إليها إلا بالخير، وكان الإمام الحسين بن علي يعتمد عليها في توعية نساء أهل المدينة، لغزارة علمها وفهمها وأخلاقها وأدبها، وهي من ورثت البلاغة عن جدها الرسول وأبيها وأمها البتول، خطبت خطبة عصماء في مجلس قاتل أخيها الحسين عليه السلام أثبتت من خلالها شجاعتها وبسالتها واستنكارها للظلم وأهله فخاطبت طاغية زمانها قائلة: "كد كَيْدَكَ وَاجْهَدْ جُهْدَكَ! فَوَ الَّذِي شَرَّفَنَا بِالْوَحْيِ وَالْكِتَابِ وَالنُّبُوَّةِ وَالِانْتِجَابِ لَا تُدْرِكُ أَمَدَنَا وَلَا تَبْلُغُ غَايَتَنَا، وَلَا تَمْحُو ذِكْرَنَا وَلَا تَرْحَضُ عَنْكَ عَارُنَا، وَهَلْ رَأْيُكَ إِلَّا فَنَدٌ وَأَيَّامُكَ إِلَّا عَدَدٌ وَجَمْعُكَ إِلَّا بَدَدٌ، يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي أَلَا لُعِنَ الظَّالِمُ الْعَادِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَكَمَ لِأَوْلِيَائِهِ بِالسَّعَادَةِ وَخَتَمَ لِأَوْصِيَائِهِ بِبُلُوغِ الْإِرَادَةِ".

ذكر أهل السير أن زينب بنت علي كان لها مجلسها الخاص في المدينة، اتخذت منه مكانًا لتفسير كتاب الله تعالى، تتردد عليه نساء أهل المدينة، لينهلن من علمها وأدبها وأخلاقها، وكيف لا تكون زينب كذلك، وهي حفيدة الرسول الأعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، وابنة خليفة المُسلمين العادل الإمام علي بن أبي طالب، وأخت غالية لسيديْ شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وكانت كما عبَّر عنها أحد الأقلام البارزة في وقتنا الحاضر: "صوتًا للحسين وصولته، ودم الحسين وديمومته، وشخص الحسين وشخصيته، وبصر الحسين وبصيرته، وكفى بزينب فخرًا أنها أخذت من علم جدها رسول الله، ومن شجاعة أبيها علي، ومن صلابة أمها فاطمة، ومن حلم أخيها الحسن، ومن جهاد أخيها الحسين، فأصبحت ملتقى فضائل أهل البيت".