علي بن سالم كفيتان
لا يُمكننا ككُتَّاب رأي تجاهل التساؤل الذي يدور على كل لسان عندما يسمع المواطن عن فائض ملياري في الموازنة العامة للدولة، وما الذي ناله المواطن من ذلك الفائض؟
لا شك أنَّ الجميع يقدِّر شفافية الحكومة في الإعلان عن تحسن الأداء المالي ووجود فوائض مالية تفوق التقديرات التي بُنيت عليها ميزانية 2022، وفي نفس الوقت يدركون أنه لولا ارتفاع أسعار النفط العالمية لما تحقق ذلك الفائض، فمقدار قيمة الضرائب والسياسات المالية الأخرى كرفع الدعم عن الوقود والكهرباء وغيرها شكلت نسبة لا تقارن بإيرادات النفط والغاز، وهنا يتساءل المواطن: ما الداعي لهذه السياسات التي تُضيِّق عليه الخناق يومًا بعد آخر، في حين أنها لا تشكل فارقًا كبيرًا في تحسين الأداء المالي؟ أليس من الأجدر التراجع عنها أو تخفيضها، كما فعلت الحكومة عندما أعادت النظر في بعض الرسوم؟ وفي النهاية، المواطن العادي ينظر إلى ما هو ذاهب إلى جيبه بشكل مباشر، ولا يهتم كثيرًا بتوجيه مئات الملايين من الريالات إلى التجار في صورة مناقصات مشاريع، فهذه الفئة محدودةٌ، وأثبتت الأيام أنانيتها المطلقة في مواجهة الأزمات عندما تأزمت الأوضاع.
كان المواطن يتوقع أن يذهب جزء من الفائض المالي لتمرير عدة دفعات من المستحقين للترقيات التي وصلت إلى عشر سنوات من الانتظار، وتحسين مستحقات المتقاعدين، ويتساءلون لماذا يتم تأجيل ترقيات القطاع المدني، بينما القطاعات الأخرى تُمرَّر ترقياتهم كالمُعتاد؟ ألسنا في وطن واحد والمواطن هو نفسه؟! ففي البيت الواحد أحدهم يحصل على ترقيته حسب المعتاد، وآخر مكتوب عليه الانتظار. ألم يتم قطع العلاوات وحذف الميزات من أجل أن تعُمَّ المساواة بين الجميع؟
كل تلك التساؤلات وغيرها تُتَدَاوَل في المجالس والمقاهي وفي مقرات العمل، ومفادها أن المواطن العادي لم ينل ريالًا في جيبه من تحسن الأداء المالي؛ بل على العكس استمرت سياسة الاستقطاع وانتشرت كثقافة عامة إلى القطاع الخاص، وعندما تسألهم عن السبب يقولون "ضريبة"، أو "ارتفاع قيمة المواد الخام عالميًا"، في ظل سبات عميق لهيئة حماية المستهلك. تمنيتُ أن يتم تجريب نظام التصويت الإلكتروني للمجالس البلدية في استطلاع رأي عن مدى رضا المواطن عن أداء الحكومة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
لا يُمكننا حساب نسبة البطالة إلى المجموع الكلي للسكان بمن فيهم الوافدون؛ فالنتيجة ستكون غير حقيقية، وليس من الصواب كذلك حساب عقود استقدام العمالة الوافدة كوظائف مثل البنَّائين والحلاقين وغيرهم من أصحاب المهن اليدوية التي لا يمتهنها المواطنون، ومن هنا لا بُد من إعادة النظر في حساباتنا لتقدير أعداد الباحثين عن عمل، بحيث يُنسبون إلى الكتلة السكانية كعُمانيين فقط، ويمكن في مرحلة أخرى إيجاد نسبة أدق عند إحصاء العُمانيين القادرين على العمل، بحيث يتم استبعاد الأطفال والنساء غير العاملات والمتقاعدين وكبار السن، وبهذه الطريقة نحقق النظرة الحقيقية لنسبة البطالة، والتي يُعتقَد أنها عالية وفق هذا التوصيف، وأن معالجات حل أزمة الباحثين عن عمل كانت خجولة وغير فاعلة، فليس من المنطق وجود مهندسين وأطباء وأصحاب مهن مطلوبة بشدة في حياتنا اليومية على دكة البطالة، بينما نرى آلاف الأطباء والمهندسين الأجانب يصولون ويجلون في مؤسساتنا الرسمية قبل الأهلية، وعلى من لا يُصدق زيارة أقرب مركز صحي أو شركة حكومية لها علاقة بالمهندسين في مختلف الحقول العلمية، بينما أبناء الوطن تُكبِّلهُم عقود بخسة بمسمَّيات شتى؛ كالتدريب على رأس العمل، والتدريب المقرون بالتشغيل. ومن هنا يتساءل المواطن عن مقدار المبلغ الموجَّه من الفائض المالي لتشغيل العُمانيين؟
أصبح المواطن لا يثق في نتائج الاستراتيجيات لأنها بعيدة المدى، وبات يبني على تجارب سابقة لم يحالفها الحظ. والسؤال هنا: كيف نُقنعه بأن القادم أفضل؟! لا شك أن ذلك يكون من خلال الممارسات الشفّافة والمردود الذي يتحصل عليه بشكل مباشر، ويراه واقعًا في حياته اليومية؛ كزيادة في راتبه، وتوظيف أبنائه، وتقليل الرسوم والضرائب، وإعادة الدعم لأساسيات الحياة كالماء والكهرباء والوقود والسلع الغذائية وأعلاف الحيوانات والأسمدة الزراعية ومُمكِنات الصيد البحري، وغيرها من صنوف الأمور المعيشية المعتادة، بعيدًا عن الفلسفات المعقدة والخطط المفصّلة على مجتمعات أخرى، يصعب تطبيقها في واقعنا البسيط، الذي يرى أن الوطن أسرةً صغيرة، والأب هو جلالة السلطان المفدى- حفظه الله ورعاه- يستمع لهمومهم، ويستجيب لمطالبهم، وإن كانت تعلو السقف أحيانًا، فهم يعون أنه يسعى لإسعادهم وتقليل معاناتهم. وحفظ الله بلادي.
*****
أثناء سيري في مكان عام، استوقتني امرأة عمانية كبيرة في السن، شعرتُ بالسعادة أنها تعرفني، وقالت لي بالحرف الواحد "بلغوا السلطان عنّا نحن ربات البيوت، أننا نستحق راتبًا شهريًا، فجميع الأجيال التي تبني الوطن صُنعت على أيدينا"، فعاهدتُها أن أبلغ الرسالة، وها أنا أفعل.