المترو في مسقط

 

سالم بن نجيم البادي

عدتُ من قطر مُنبهرًا بما رأيت من التطور والتنظيم والحداثة والعمران المدروس والمخطط له بعناية فائقة، والمحافظة على الهوية القطرية والطابع العربي، مثل سوق واقف وحي كتارا الثقافي، وغيرهما من الأماكن والأسواق والأحياء الشهيرة والساحات والميادين.

في قطر لمسات جمالية تقابلك في كل مكان، فهي ليست غابة من الأسمنت، ولا يعني هذا أبدا أن بلادنا عمان غير متطورة أو غير جميلة؛ بل هي في عيوننا أجمل البلاد وأغلاها وأحلاها، وحبها داخل قلوبنا راسخ ومتين، ولا يقبل المزايدة. وحين نذكُر محاسن دولة أخرى وندعو إلى الاستفادة من تجارب الآخرىن، فهذا يعني أننا نحب الخير لبلدنا ونأمل ونرجو ونتمنى أن تكون بلدنا مثلهم؛ بل وأفضل منهم.

عندما عدت من قطر، كتبت تغريدة مع صورة لي وأنا أجلس في المترو في قطر، وتساءلت فيها عن الوقت الذي يمكن فيه أن نرى المترو في مسقط من أجل حل مشكلة الزحام في بعض شوارع مسقط، وكذلك للتخفيف من مشكلة قلة مواقف السيارات في مسقط.

لكن وصلتني إجابات ساخرة على ذلك السؤال، مثل: يوم يشيب الغراب ويوم تتعقص الرخمة ويوم يصيف الشرش، وهذه عبارات عامية تدل على الاستحالة أو على اليأس من حدوث الشيء المراد تحقيقه، وقال أحدهم "أنا متفائل جدا وإن حلم وجود المترو في مسقط سوف يتحقق في عام 2040".

الحقيقة أن هذه العبارات وصلتني من الناس ونقلتها كما هي، وناقل الكفر ليس بكافر، كما يقال، وهي العبارات التي فسرها البعض تفسيرًا لم أكن أقصده إطلاقًا، فقد وصلتني اتهامات كثيرة مثل إنني سلبي وانتقد بلدي، وإن فيها سخرية وتهكم على بلدي، وإن المترو غير مجدٍ اقتصاديًا، وإنه لا يصلح في الصيف بسبب الحرارة، وأن أحدًا لن يستخدمه لو كان موجودًا في مسقط وإن تكلفته عالية جدًا.

وقد قال أحدهم ردًا على تغريدتي: "كان يمكنك مدح قطر دون أن تجلد ذاتك وبلدك"، وأنا في الواقع أعلم أنه لا مجال للمقارنة بين قطر وعمان؛ حيث إن مساحة عُمان شاسعة وتضاريسها مختلفة، بينما مساحة قطر صغيرة، وعدد سكان عمان أكبر من قطر، ولدى قطر ثروات هائلة من النفط والغاز، وغير ذلك من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين البلدين.

حذفت التغريدة وحظرت بعضًا ممن علقوا على التغريدة، ليس خوفًا من النقد والتخوين، لكن لأن ذلك التأويل الذي ذهبوا إليه لم يخطر على بالي أبدًا. وأخشى أن يقف هؤلاء حجر عثرة في طريق المزيد من التقدم والتطور لبلدنا؛ لأنهم يميلون إلى إيهام الناس بأن كل شيء لدينا على ما يرام، وأننا نعيش في المدينة الفاضلة، و"كله زين وتمام"، وأنه لا ينقصنا شيء، وهم ضد المكاشفة والمصارحة والشفافية. وحين نسافر ونرغب في نقل التجارب الرائدة التي رأيناها، تنهال علينا التهم والأوصاف والله أعلم بما في القلوب.

سألني طفلي الصغير ببراءة عندما شاهد أعلام الدول المشاركة في مونديال قطر "أبوي وين علم عُمان؟" لم تكن لدي إجابة عن هذا السؤال، ولا عن عدم وجودنا في البطولات الرياضية القارية والعالمية، فما الذي ينقصنا وأين الخلل وما المشكلة؟

لا يوجد لدينا حتى الآن مترو، ولا قطارات برغم اتساع رقعة بلدنا، لذلك نسأل: ما الأسباب؟ ربما لأنه لا ضرورة لها ولا فائدة اقتصادية ترجى من المترو والقطارات، كما قال أولئك الذين هاجموني بسبب تغريدة كتبتها.. لا أعلم!