ميناء مطرح.. باكورة مرافئ عُمان

 

 

خليل بن عبدالله الخنجي

 

تتفرد سلطنة عُمان بموقعها في شبه الجزيرة العربية بطلتها الشاسعة على بحر عمان وبحر العرب والخليج العربي بالإضافة إلى أنها عضو فاعل في رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي. ويرجع تاريخ عمان البحري لأقدم أثر يدل على علاقتها بالمحيط الهندي هو لبقايا القارب المكتشف على ساحل رأس الجنز في ولاية صور؛ حيث يرجع تاريخ بناء ذلك القارب المبني بالمواد المحلية مثل السعف والمواد المكملة إلى ما قبل 4500 عام، وهذا يثبت أن علاقة أرض مجان مع شبه القارة الهندية تعود لأكثر من خمسة آلاف عام حسب التاريخ المدون؛ حيث احتفلت عمان والهند بهذه المناسبة قبل عدة سنوات بإصدار كتاب بهذه المناسبة يذكر فيه جميع الاكتشافات في الحضارتين العمانية والهندية منها الاكتشافات الأثرية لحضارة أم النار في شمال الباطنة في عمان واكتشافات مشابهة من الحلي الفضية والمقتنيات النحاسية في الباكستان بشبه القارة الهندية.

ميناء مطرح الذي يقع على بعد 350 كيلومترًا جنوب مضيق هرمز وألف كيلومتر شمال مدينة صلالة، يعود موقعه الأصلي في منطقة أربق وقلعتها المواجهة لقلعة مطرح العريقة في الطرف الآخر من خليج مطرح، والتي يعود تاريخها إلى ذات تاريخ عمان البحري؛ حيث كان سكانها يقومون بتزويد السفن العابرة بالمؤن الضرورية لعبور البحار والمحيطات مثل المياه العذبة والتمور العمانية المشهورة بجودتها وتحملها تقلبات درجات الحرارة وبقية المواد الغذائية المتوفرة في سوق مطرح، ولكن لم يبقَ من مدينة أربق وتحديدًا في العام 1967، إلا قلعتها المتهالكة وبعض الأبنية التي صمدت في مواجهة العاصفة المدارية الهائلة التي ضربت أركان ولايتي مطرح ومسقط ومنطقة أربق وما جاورهما من قرى وذلك في العام 1890 الميلادي حيث هلك كثير من القاطنين في تلك الفترة وخاصة سكان أربق وبقيت الآثار شاهدة على ذلك الإعصار المدمر.

وقد أمر السلطان سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- في عام 1968 ببناء ميناء مطرح على أنقاض أهم المرافئ العمانية في المدينة، وبدأ البناء من قبل شركة Skanska و6Contract في العام 1969 بتفجير الجبال موقع الميناء وكبس البحر بالأحجار ذات الأحجام الضخمة وصب الأعمدة الخرسانية في أعماق البحر، كما أمر في حينه ببناء كورنيش مطرح (شارع مطرح البحري حاليًا ) وهو امتداد لمشروع الميناء؛ حيث تم تشييده من قبل شركة Parkinson. وهذان المشروعان جزء من مشاريع أساسية أمر بها السلطان سعيد بن تيمور بعد تصدير أول شحنة من النفط العماني في العام 1967.

ومن المشاريع التي أمر بها السلطان سعيد بن تيمور والمخطط لها في حينه من قبل مجلس الإعمار المكون من 5 أعضاء لمتابعة والإشراف والإنجاز لتلك المشروعات الحيوية في البلاد، هي كالتالي: شركة كهرباء مسقط في ريام، ومد المياه إلى المنازل في كل من مسقط ومطرح وذلك بضخها من آبار وادي عدي، وتشييد المباني الحكومية وسكن الموظفين للمتزوجين والعزاب الفنيين الأجانب القادمين للمساعدة في تنفيذ المشاريع الجديدة، ومكتب مركزي للبريد، وسوقان للخضار والفواكه في كل من مطرح ومسقط، ومد شارع يربط ميناء مطرح الجديد بروي متفرعًا منها إلى ساحل وداخلية عمان، وكذلك تشييد المستشفى السعيدي (مستشفى النهضة في روي حالياً) ومستشفى صور، وآخر في تنعم، إضافة لبناء أول مدرسة للبنات في تاريخ عمان وهي مدرسة الزهراء للبنات في مسقط.

واستمر تشييد ميناء مطرح خمس سنوات توجت بافتتاحه في العام 1974 من قبل السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- حيث تمت إعادة تسميته بـ"ميناء قابوس" تيمنًا برعاية السلطان بافتتاحه كونه أحد أهم المشاريع الكبرى في حينه، وحضر بمعية السلطان قابوس عدد من أصحاب السمو والمعالي والسعادة وشيوخ وأعيان مطرح ومسقط وضيوف البلاد وأعيانها. ويعد هذا الميناء أول ميناء تجاري حديث يقوم بخدمات الاستيراد والتصدير ليتم إعادة تسميته مرة أخرى بعد سنوات إلى ميناء السلطان قابوس؛ حيث شهد الميناء عدة توسعات وتطويرا واسعا على مدى تاريخه وتم تحديث بنيته الأساسية وتزويده بالكثير من المرافق بهدف تلبية احتياجات السفن القادمة إلى الميناء ليصبح أحد أكبر الموانئ في بحر عمان بإدارة شركة عمانية منذ 1976 وهي مؤسسة خدمات الموانئ بموجب عقد امتياز طويل الأجل انتهى بانتهاء إغلاق المؤسسة.

واستمر بناء الموانئ في سلطنة عمان حيث تم الانتهاء من بناء ميناء ريسوت في العام 1998 الذي سمي لاحقًا بميناء صلالة بموقعه الاستراتيجي في قلب المنطقة المطلة على المحيط الهندي في مدينة صلالة بمحافظة ظفار ويعد هذا الميناء في الوقت الحالي واحدًا من أهم مراكز النقل المتطورة في المنطقة، مما يجعله مركزاً لتوفير الإمداد اللازم للسفن المتجهة إلى منطقة الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وشرق أفريقيا ومحطة كبرى لترانزيت الحاويات بين الشرق والغرب كذلك.

أما ميناء صحار الصناعي فقد تم الشروع في بنائه في العام 1999 خارج مضيق هرمز ممر السفن المحملة بالنفط والغاز والبضائع الخليجية من والى العالم لذلك يعد قرار بناء ميناء صحار قرارًا استراتيجيًا يخدم مصالح الدول المصدرة والمستوردة من وإلى عمان وجميع الدول الخليجية حيث تطورت فكرة الميناء الصناعي إلى آفاق أكبر وأوسع وبذلك يعتبر ميناء صحار في الوقت الحاضر من أحدث الموانئ في العالم بغاطس يصل إلى 25 متراً ليصبح واحدًا من الموانئ القليلة القادرة على استقبال السفن العملاقة التي يصل غاطسها إلى 20 مترًا.

ميناء الدقم هو الآخر من أحدث الموانئ في عمان؛ حيث يقع في مدينة الدقم بمحافظة الوسطى التي أتت فكرة بناؤه مع الاكتشافات النفطية حيث قام السلطان سعيد بن تيمور في مارس 1954 بزيارة هامة إلى الدقم للوقوف على الاكتشافات النفطية وإمكانية تصدير النفط عبر أنبوب يصل الدقم بقلب الصحراء حيث تم اكتشاف النفط ولكن لم تكن للمشروع جدوى في حينه بسبب بعد المكان عن العمران وصعوبة سكن الفنيين الأجانب هناك، ليحسم قرار التصدير من ميناء الفحل في ولاية مطرح بمد أنبوب النفط من فهود إلى ميناء التصدير.

ومنذ فجر النهضة العمانية الحديثة كانت فكرة تشييد مدينة وميناء في قلب محافظة الوسطى في مدينة الدقم تراود السلطان قابوس طيب الله ثراه حتى بدأت الأعمال الإنشائية في العام 2007 ليصبح الآن من أهم الموانئ الواقعة على المحيط الهندي ليمد سلاسل الإمداد اللوجستية بالنفط والغاز ونقل الحاويات وتكرير النفط وتخزينه في رأس مركز الذي سوف يصبح من أكبر مخازن النفط في العالم، إضافة لإصلاح السفن العملاقة من خلال الحوض الجاف المجهز بأحدث المعدات.

أما ميناء خصب في محافظة مسندم فهو أيقونة الموانئ العمانية الجميلة يقع في صدر مضيق هرمز الهام حيث ملتقى بحر عمان والخليج العربي ليخدم جواره استيراداً وتصديرًا وسياحياً، وكذلك بناء ميناء آخر في ذات المحافظة وهو ميناء دبا وهو قيد التشييد في الوقت الحالي وميناء شناص في شمال الباطنة الذي تم بناؤه لاستقطاب السفن الخشبية المحملة بالمنتجات المختلفة ونقل الركاب عن طريق العبارات من وإلى مينائي دبا وخصب أما ميناء السويق الواقع في محافظة جنوب الباطنة فهو مشغول بالاستيراد والتصدير إلى موانئ الدول البحرية المجاورة.

أما المرافئ المتخصصة فأهمها ميناء الفحل المخصص لتصدير النفط العماني منذ أول كمية تم تصديرها في العام 1976 وما زال يؤدي دوره حتى الآن على أكمل وجه، ومرفأ الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال في صور، الميناء العماني الوحيد الذي يصدر من خلاله الغاز الطبيعي المسال إلى دول العالم، أمًا مرفأ الأسمدة في ولاية صور فهو يدار من قبل الشركة العمانية الهندية لتصنيع وتصدير سماد اليوريا والأمونيا، أما مرافئ الصيد التي لا تقل أهمية عن الموانئ المتخصصة فقد تم تشييدها في جميع الولايات العمانية الساحلية في كل من محافظات مسندم وشمال الباطنة وجنوبها ومسقط وجنوب الشرقية والوسطى وظفار وأكبر موانئ الصيد تم الانتهاء من تشييده في ولاية الدقم.

استثمارات ضخمة تم صرفها على إقامة الموانئ منذ فجر النهضة العمانية حتى الآن حان الوقت لتفعيل ساعات تشغيلها بأقصى درجات التنفيذ وذلك بمضاعفة الاستثمارات فيها وخلق فرص اقتصادية لصالح الاقتصاد الوطني من حيث فرص العمل والقيمة المحلية المضافة وهذا لن يتأتى إلا بمضاعفة الجهود في العمل الجماعي بين جميع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ممثلًا في غرفة تجارة وصناعة عُمان وأصحاب وصاحبات الأعمال والمستثمرين بشتى مشاربهم وذلك باستهداف الأسواق التي تربطنا بها اتفاقيات تعاون وراغبة في الاستثمار وذلك بتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية.

أما ميناء السلطان قابوس الذي عطل عن العمل منذ العام 2012/ 2013 بالرغم من جميع المناشدات ومنها مناشدة غرفة تجارة وصناعة عمان حينذاك فقد آن الأوان أن يعاد النظر في عدم تحويله إلى منطقة سياحية بالكامل لأن المناطق السياحية متعددة خاصةً في محافظة مسقط مثل مسقط هيلز وبر الجصة وخليج مسقط ومشروع يتي العملاق ومشاريع الخيران المتعددة والمشروع الكبير القائم في جبل السيفة والمشاريع المزمع تشييدها في ولاية قريات، لذلك نتنمنى أن يبقى هذا الميناء التاريخي العريق ينبض بالحياة وتعود عمليات الاستيراد والتصدير بهيكلية جديدة تتناسب مع وضع مدينة مطرح التي يراد لها أن تستقبل السياح براً وبحراً وجواً، لذلك يجب معالجة المنافذ القادمة من وإلى ولاية مطرح ومينائها العتيد لتستوعب الولاية والميناء الحركة المرتقبة عند إعادة التشغيل لتعود الحياة لباكورة الموانئ العمانية في مطرح في العهد الزاهر الميمون لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله-.

** الرئيس الأسبق لغرفة تجارة وصناعة عُمان