عبدالله الشافعي
لا يغيب عن أحد ما يشهده العالم من تحولات رقمية كبيرة، وما يشهده المحتوى الذي يُنشر عبر منصات التواصل الاجتماعي من تطور كبير سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، ما دفع الكثير من الأشخاص والمواقع الإخبارية والخدمية والتجارية لتطوير محتواها وتغيير سياسات التسويق واستهداف الجمهور.
عمليات تطوير المحتوى والاستهداف لم تكن مُقتصرة على الجانب الإيجابي فقط، بل شملت أيضًا الجانب السلبي، حيث طوّر كثير من المحتالين أساليبهم لصيد الضحايا، مُستغلين حالة الزخم الحاصلة للمنصات الرقمية التي زاد انتشارها بشكل جنوني خصوصًا خلال أزمة كوفيد-19.
ولعل أبرز وقائع الاحتيال الإلكتروني ما يكون مرتبطًا باللعب على وتر "العاطفة"، أو كما يُسميه البعض بـ"الاحتيال العاطفي"، لتوقع هذه الوسيلة بعشرات الآلاف من الضحايا حول العالم ممن يبحثون عن الحب والاهتمام.
أعلم أنَّ كثيرًا ممن وقعوا في فخ "الاحتيال الإلكتروني" قد تكون دوافعهم غير شريفة من البداية وسلكوا طريقًا مظلمًا خلف شهوتهم، لكني أسلط الضوء هنا على الضحايا التائهين في طريق البحث عن الاهتمام.
مُعظم ضحايا هذا النوع من الاحتيال هم من فئة المراهقين، وتتعدد أسباب لجوئهم لمنصات التواصل الاجتماعي بحثًا عن الاهتمام، لكن قد يكون السبب الأقوى هو عدم الاحتواء العائلي لهذه الفئة من المجتمع، وانشغال الآباء والأمهات عنهم، وعدم منحهم القدر الكافي من الحب، فيذهبون بعيدا في عالم افتراضي بحثا عما فقدوه.
في ذلك العالم الافتراضي توجد ذئاب متربصة، تنتظر فريسة هربت من جفاء العائلة، يجد الذئب فريسته منهكة من البحث الطويل، فينقض عليها دون هوادة مرتديا ثوب المنقذ من شتات الروح، المنقذ الذي يمتلك علاجا للقلوب الحائرة، فتنجرف الضحية وراء اهتمام زائف حتى تصل إلى نفق مظلم قد يصعب الخروج منه.
قد يصبّ الآباء اهتمامهم في العمل أو المشاريع أو الترفيه عن النفس، وينسون أن الأبناء- وكل من نعول- هم أولى الناس بالحب؛ وأن القلوب تسعد بمن يملؤها وتضطرب عند إهمالها، وأن واجبنا أن نغمر من نهتم لأمرهم بالقدر الكافي من الاهتمام والاحتواء، وألا نترك قلوبهم كالمُعلّقة فتذْروها رياحٌ لا عِلم بمصدرها واتجاهها فتمرض ويصعب مداواتها. هذا دور أساسي لا يمكن التغافل عنه أو تركه بل هو واجب على كل شخص يعول ابنًا أو زوجة أو إخوة.
كما أن المجتمعات بمؤسساتها الحكومية والخاصة عليها دور كبير في التوعية، خصوصا المدارس والجامعات، لإرشاد الطلاب وتحذيرهم من مخاطر الانجراف نحو المظاهر الخداعة التي تستهلك المشاعر والأرواح، وتترك القلوب خاوية مجروحة.
نعم قد تقسو الدنيا فننشغل عن دورنا، لكن علينا ألا نبعد كثيرًا وننسى من نحبهم ونهتم لأمرهم، فلا ينبغي أن نبتعد كثيرا أو نزيد في الجفاء مهما قست الدنيا، فالقرب يلين القلوب ويزيد الود، ولا يؤنس وحشة القلوب إلا الحب والاهتمام، حتى لا تأتي لحظة نندم فيها على تقصيرنا، وحينها سيكون قد فات الأوان.