انتصار القيم

مدرين المكتومية

أبهرت دولة قطر الشقيقة العالم، على مدى قرابة شهر، مع استضافتها الاستثنائية والفاخرة لأضخم بطولة شعبية على الإطلاق؛ كأس العالم لكرة القدم "فيفا 2022"، وقد تابع الجميع بشغف مباريات هذا المونديال الرائع.

لقد نجحت دولة قطر في إسكات كل الأصوات الحاقدة التي شنَّت حملة مُمنهجة قبيل انطلاق المونديال، في مسعى سيئ ينُم عن حقد دفين تجاه أي نجاح محتمل للعرب، وكأن هؤلاء الذين سعوا للنيل من الدولة المُنظمة، لم يكونوا على علم خلال 12 سنة بأن قطر تعد العدة وتتجهز لهذا الحدث التاريخي الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط لأول مرة، وقد أنفقت قطر نحو 220 مليار دولار على البنية الأساسية والملاعب كي يخرج المونديال في حُلة بهية. نجحت قطر خلال تنظيمها المُبهر في أن تتسمك بقيمها الأصيلة ومبادئها التي لم تحد عنها قيد أنملة، فعبرت على أكمل وجه عن وجه الحضارة العربية والإسلامية السمحاء، وأظهرت للعالم أجمع الكرم العربي والشيم والأخلاق العربية والخليجية أمام ما يزيد عن 3.2 مليون مشجع.

قطر أثبتت للعالم أن التاريخ لا يُكتب فقط وإنما يصنعه العظماء بأعمالهم، ولن تنسى ذاكرة العالم ما قامت به قطر في نحو أسابيع قليلة من حسن تنظيم وإدارة للفعاليات المصاحبة للمونديال، والأهم من ذلك كله وقفتها الراسخة في وجه دعاة المثلية والشذوذ، الذين سعوا بكل طاقتهم أن ينشروا أفكارهم المريضة والخبيثة من خلال كأس العالم، من منطلق زعمهم بأن ذلك من حقوق الإنسان، وهم أبعد ما يكونوا عن معرفة حقوق الإنسان، التي دهسوها تحت أقدامهم في الكثير من المواقف والأحداث على مر التاريخ، حتى يومنا هذا. فما زال اللاجئون الفارون من نيران الحروب التي يشعلها الغرب في الشرق الأوسط يواجهون أسوأ معاملة، ويُلقى القبض عليهم على الحدود ويُضعون في غياهب السجون حتى ترحيلهم إلى بلدانهم مرة أخرى، ليواجهوا مصيرًا مجهولًا. نسي هذا الغرب المتعجرف وساسته وزعماؤه، أنهم طعنوا الإنسانية في مقتل، عندما سمحوا للكيان الإسرائيلي الغاصب أن يحتل أرض فلسطين العروبة والإسلام، ويذبحوا نساءهم وأطفالهم وشبابهم وشيوخهم، وعندما غضوا الطرف عن جرائم هذا الاحتلال التي يجب أن يُحاكم عليها أمام القضاء الدولي.

لقد سعى الغرب من خلال محاولته اليائسة لفرض المثلية، إلى الحط من قدر الإنسان، فالزعم بأن المثلية من حقوق الإنسان زعم مريض وحقير، فالإنسان أسمى من أن يُمارس ذلك الشذوذ التي تأنف الحيوانات عن القيام به! إنهم يريدون أن يضعوا الإنسان- الذي كرمه خالقه- في منزلة أدنى وأخس من الحيوانات، لكن أنّى لهم ذلك. غير أننا نُدرك يقينًا أن وصول الغرب لهذه الأفكار دليل دامغ على دونية مثل هذه المعتقدات، والتي تؤكد أن الحضارة الغربية وصلت إلى مرحلة الانهيار الأخلاقي التي ستتبعها مرحلة الانهيار الحقيقي على الأرض، لتعود أوروبا بعد ذلك إلى ما كانت عليه في سنوات الظلام والقرون الوسطى.

نجحت دولة قطر في تنظيم مونديال استثنائي، وختام أكثر استثنائية في المباراة النهائية التي شاهدها المليارات حول العالم، وكان مسك الختام ذلك المشهد الذي سيظل عالقًا في ذاكرة البشرية، عندما وضع صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر العباءة العربية "البشت" على أكتاف النجم الأسطوري ليونيل ميسي قائد منتخب الأرجنتين، فكانت الكأس عربية في زي عربي، واستطاعت قطر أن تقول للعالم أجمع من خلال هذا الموقف أن العرب شعوب أصحاب حضارة وتقدم، وأنهم إذا ما أرادوا تحقيق الإنجاز، حققوه بكل كفاءة واقتدار.

شكرًا دولة قطر على هذا الشهر المُمتع الذي أبهجنا وأسعدنا وجعلنا نفخر بأن دولة خليجية وعربية مُسلمة أبهرت العالم بتنظيمٍ لم تستطع دول أخرى متقدمة مضاهاته أو القيام بمثله.. شكرًا دولة قطر على التمسك بالقيم الأصيلة والأخلاق الفاضلة، في مُواجهة الشذوذ الفكري والجسدي، والانحدار السياسي والأخلاقي الذي مارسه البعض.. وأخيرًا أقول: "الحق أحق أن يُتَّبع".