خطاب مضاد للكراهية

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

وجد خطاب الكراهية فضاءً متّسعًا في الأعوام الماضية، وزاد مع موجة الهجرة إلى أوروبا، وصعود اليمين المتطرف في الكثير من الدول، الذين استغلوا خطاب الكراهية ضد فئات مُعينة، لتحقيق مكاسب سياسية، وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي حاضنة أساسية إلى جانب الإعلام، والسينما والشبكات المتلفزة.

إنَّ النمو العالمي لخطاب الكراهية في السنوات الأخيرة، قد يكون امتدادا لجرائم الإبادة والتهجير التعسفي، التي حدثت في القرن الماضي والقرون السابقة.

في أول لقاء تلفزيوني للفتى الأسترالي ويل كونولي بعد حادثة البيضة، التي ألقاها على السيناتور الأسترالي من اليمين المتطرف، بسبب تصريحاته العنصرية ضد المُسلمين، في واقعة الهجوم على مسجدين في نيوزلندا قبل أعوام، قال الفتى: لست نادمًا على تصرفي، فلقد استفزني بكلامه.. ولكن تصرفي لم يكن صائبًا.

في عام 1993 نشر صومائيل هنتغتون كتابا بعنوان "صراع الحضارات، وإعادة تشكيل النظام العالمي" أشار فيه إلى أن الحرب القادمة، والتي ستُعيد تشكيل النظام العالمي ستكون حربًا بين الثقافات والحضارات. وذكر أن الحقبة ما بعد الحرب الباردة، لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها الاقتصادية والسياسية؛ بل إن الاختلافات الثقافية ستكون المحرك الرئيسي للصراعات، وتوقع بأن الحضارات التي ستكون مشتركة، في النزاعات فيما بينها الحضارة الغربية، واليابانية، والصينية، والهندية، والإسلامية، والأرثودكسية، والبوذية، والأفريقية، واللاتينية. وذكر هنتنغون أن الصدوع الثقافية، ستكون بؤرة الحروب، وتوقع بأن الحضارة الإسلامية ستواجه نزاعات مع الأديان الأخرى، في كافة دول العالم تقريباً بلا استثناء.

وتقوم حرية التعبير على مبدأ بناء المعرفة، ونشر الأفكار وتبادلها، بهدف تكوين فهم أشمل عن بعضنا البعض، وإدراك المشتركات بيننا، وتلك التي تجعلنا مختلفين عن بعضنا. وقد يستغل البعض حرية التعبير، في نشر الفتن وبذور الكراهية، والترويج لمعلومات غير دقيقة، وأحياناً خاطئة حول فئة ما، بهدف خلق سوء فهم، وزعزعة الثقة الذي قد يؤدي إلى العنف اللفظي أو النزاعات.

لذلك يجب عدم الخلط بين مبادئ حرية التعبير، وبين الإساءة، والتحريض على الكراهية والعنصرية، وجرائم العنف. وفي هذا الشأن وضعت الأمم المتحدة نقاطا للفصل بين حُرية التعبير، وخطاب الكراهية من بينها: تأثير المتحدث، والنية التحريض على الجمهور، وإمكانية الضرر، ومحتوى الخطاب والسياق الاجتماعي أو السياسي.

أي أن كل التحريض على التمييز أو العداء أو العنف، هو خطاب كراهية، إلا أنَّ خطاب الكراهية لا يعد جله تحريضًا. ونظرًا لأن السياقات التي وضعتها الأمم المتحدة قد يُساء تفسيرها، فإنَّ الخطاب الذي يؤدي إلى العنف والفتن ويتسبب في زعزعة استقرار الشعوب، والأعراق والهويات الدينية، يجب أن يواجه بخطاب مضاد، يبدأ ببحث عن الأسباب الكامنة وراء نشر الكراهية وبمبادرات للتواصل بين الثقافات المختلفة، لبناء فهم أكثر عن طبيعة الاختلاف، ووضع حدود يحترمها الجميع.

المتابع للدور الخفي الذي تقوم فيه وسائل الإعلام العالمية، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ماهي سوى إعداد المجتمعات للتعامل مع المسلمين، والأقليات على أنها مجتمعات جاهلة تنشر الجريمة والإرهاب، والسبب في البطالة، وتحول في قيم المجتمع. مُقابل هذا لا نرى استراتيجيات مضادة لنشر الوعي ضد الكراهية؛ بل العكس.

ومن جانب آخر، نرى أن الإنترنت بشكل عام ووسائل التواصل الاجتماعي، بشكل خاص يلعبان دورًا واضحًا، لتأجيج خطاب الكراهية والتحيز، وتسميم النقاشات بين الأفراد في المجتمع الواحد، وخلق جو سامٍ، وتعمل على الاستقطاب، والانقسام داخل المجتمعات بين الأفراد والجنسين، والأعراق، والأقليات، والعمالة وغيرهم. فلا يكاد يمر يوم دون أن نرى تغريدة، يُراد بها زيادة عدد المتابعين، تبث السموم بتجريح أو تحريض على الإساءة تحت ستار حرية التعبير أو النصيحة، مُستغلين قلة الوعي والأمية الإلكترونية لدى البعض، فعلى سبيل المثال لا الحصر، التغريدات التي تحرض الرجل على المرأة أو العكس أو التي تحرض على التعدي على جنسيات بعينها.

تكمن المشكلة في عدم وجود رقابة فاعلة على المحتوى، مع ضعف الوعي الذي جعل من يبحثون عن الشهرة على حساب المجتمع، يتخذون من تلك المنابر وسائل لبث السموم دون وجود رادع، وللأسف الشديد أن تشارك شخصيات مثقفة ويعدون قدوات في مجتمعاتهم في هذا الطرح السلبي دون الأخذ في الاعتبار تبعاتها السلبية التي قد تضر المجتمع وتعود عليه بويلات والتي قد تتسبب في حدوث جرائم كراهية.

إن السموم التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي تأثيرها أقوى وبشكل مُباشر، لأنها تبث رسائل واضحة وتلقى تجاوبا سريعا، وقد تصل إلى وسم ولعل الحادثة الإرهابية التي جرت في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا عام 2019، كانت مستوحاة من الرسائل العنصرية التي تمَّ نشرها عبر الإنترنت، كما أشارت التحقيقات.

من الضروري جدًا في هذه المرحلة الحرجة من تنامي العنصرية بكافة أنواعها أن تكون هناك استراتيجيات محلية تخص كل دولة، وجهود دولية لتنظيم أحداث، وبرامج لمكافحة الكراهية، والتنسيق مع القيادات الدينية والسياسيين، والثقافية وقادة الرأي لتحويل السياسات إلى واقع ملموس.

ولابُدّ أن تكون الجهود الرامية تتضمن خطابا مضادا للكراهية، وخطابا يعزز من الحوار، والخطاب الإيجابي، ومحاولة فهم أسباب تنامي خطاب الكراهية، والدوافع الكامنة وراءه ومحاولة تقييد تلك الممارسات وفق القانون الدولي والمحلي.

ويمكن لمؤسسات المجتمع المدني، أن تلعب دورا فاعلًا في نشر الوعي المجتمعي، وتعزيز ثقافة الاختلاف، واحترام الآخر، والاندماج، والتنوع المجتمعي في ظل الانفتاح العالمي.

إنَّ معالجة خطاب الكراهية تقع على عاتق الجميع، من مؤسسات، وأفراد، وحكومات، وتتطلب تفعيل دور الرقابة والإعلام الرقمي للتصدي للمحتوى السلبي، ومواجهته بمحتوى إيجابي مدروس ونشر المعلومات الصحيحة بشفافية وسرعة لدحض الباطل.

يقول نيلسون مانديلا "لا يوجد إنسان ولد يكره إنسانًا آخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه، الناس تعلمت الكراهية، وإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية، إذن بإمكاننا تعليمهم الحب، خاصة أنّ الحب أقرب لقلب الإنسان من الكراهية".