خفض الرسوم والمحطة الواحدة

حاتم الطائي

جهودُ إعادة الهيكلة التي تُنفذها حكومة صاحب الجلالة في مُختلف القطاعات تؤتي ثمارَها رويدًا رويدًا، وعلى الرغم مما قطعته عملية إعادة الهيكلة من أشواط كبيرة، إلا أنها لم تتوقف ومتواصلة، فقبل أيام كشفت وزارة المالية عن تفاصيل المرحلة الثانية من دليل تسعير الخدمات الحكومية المعروف اختصارًا بـ"تسعير"؛ حيث أعلنت عن إلغاء وتخفيض ودمج رسوم 288 خدمة في هذه المرحلة، التي سبقتها 557 خدمة أُعيد تسعيرها في المرحلة الأولى من هذا الدليل، مع ترقب إعلان نتائج المرحلة الثالثة في وقت لاحق.

كل هذه الجهود والخطوات تؤكد أنَّ الحكومة ماضية في خططها لتطوير منظومة العمل، لا سيما فيما يتعلق بمسألة أسعار الخدمات المقدمة للمواطن؛ حيث شهدت الفترات السابقة- خاصة بعد التحديات الاقتصادية الأخيرة- زيادات في سعر رسوم تلك الخدمات، ما أثر بالسلب على عدد من الأنشطة الاقتصادية وأعاق نمو قطاعات أخرى. وأخيرًا بادرت وزارة المالية والجهات المتعاونة معها لإعادة هيكلة هذه الرسوم، والنظر في إلغاء البعض منها أو خفضها، وهو ما تحقق، بما يُساعد في تحقيق التنمية الاقتصادية المأمولة، من خلال دعم أنشطة القطاع الخاص والأعمال الحرة، ومساعدة المواطن على إنجاز معاملاته دون تكبد مصاريف إضافية، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بفتح مشروع تجاري أو استثماري، علاوة على أن تسعير الخدمات الحكومية وفق آليات واضحة معروفة لدى الجهات ذات العلاقة، يُساعد على تحقيق الاستقرار المالي، من خلال زيادة دقة التوقعات الخاصة بالإيرادات المُقدرة في الميزانية العامة للدولة، وبما يدعم جهود تعظيم هذه الإيرادات على نحو يحقق الأهداف المنشودة، وخاصة المرتبطة بالتنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية.

ولا شك أن الإصلاح الإداري والمالي، كان واحدًا من الملفات الساخنة التي ظلت مطروحة خلال الفترات الماضية، وربما في كثير من مراحل التنمية المُتواصلة منذ عقود، وهذا ليس حكرًا على سلطنة عُمان؛ بل هو أمر شائع في الكثير من دول العالم، خاصة في الاقتصادات التي تشهد تطورات مُتسارعة وتقلبات ناتجة عن التأثر بأزمات خارجية، مثل الحال في سلطنة عُمان. فقد شهد اقتصادنا الوطني تقريبًا منذ عام 2014 العديد من التحديات الكبيرة، التي بفضل القيادة الحكيمة والقرارات السليمة، استطعنا تجاوزها بأقل قدر من الخسائر، فأزمة النفط الأولى في 2014 والتراجع الكبير بنسب قاربت 50% لأسعار الخامات تزامنًا مع زيادة إنتاج النفط الصخري الأمريكي، كل ذلك تسبب في أزمة ثقيلة على اقتصادات الدول المصدرة للنفط، ثم أخذت الأسعار تتعافى تدريجيًا حتى وصلنا إلى عام 2017، عندما استقرت الأسعار في حدود 80- 85 دولارًا. ومع تفشي جائحة كورونا وما تبعه من أزمات اقتصادية وعودة أزمة تراجع أسعار النفط مُجددًا، تتضررت الاقتصادات بشدة، وتأثر الاقتصاد العماني منذ ذلك الحين، رغم مساعي تحقيق التعافي.

وإعادة تسعير الخدمات الحكومية من شأنها أن تُساعد في جذب المزيد من الاستثمارات، لكن يظل المطلب الأساسي لجموع المستثمرين المحليين والأجانب، يتمثل في تبسيط الإجراءات وتفعيل المحطة الاستثمارية الواحدة، وكُلنا أمل أن تُعجل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بافتتاح هذه المحطة في العديد من المواقع، بما يُسهل على المواطن والمستثمر إنجاز مُعاملاته بكل سهولة ويُسر. إذ لا يكفي فقط أن نُعيد هيكلة الرسوم والخدمات دون تحقيق التأهيل اللازم للموظف القائم على أمر المُعاملة، فالكثير منَّا يعلم حجم العراقيل التي قد يضعها موظف يسعى لتطبيق القانون، وتغيب عنه تمامًا قاعدة "تطبيق روح القانون"، التي إن طُبِّقت ستحل الكثير من التحديات وسيتمكن المواطن من إنجاز مُعاملته بأسرع وقت مُمكن.

وبالقياس على ما تم اتخاذه في "دليل تسعير الخدمات الحكومية"، نرجو من الجهات المعنية أن تضع سقفًا زمنيًا لكل خدمة يسعى المواطن لإنجازها، لأنه لا يُعقل أن تكون هناك مُعاملات مُعطلة ومُتوقفة لفترات تزيد على 3 أشهر، وفي بعض الأحيان 6 أشهر، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية التي تزداد فيها أسعار المنتجات والخدمات يومًا تلو الآخر، فلنا أن نتخيل مُستثمرا قدم طلبًا لإنشاء مشروع بتكلفة مليوني ريال، ثم انتظر قرار المُوافقة على المشروع لمدة 5 أشهر، فزادت عليه التكلفة نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، عندئذ سيكون أمام خيارين إما تقليص حجم المشروع لتفادي المصاريف الزائدة، أو التراجع عن الفكرة تمامًا، وللأسف الخياران أحلاهما مُرٌ.

ويبقى القول.. إنَّ إعادة هيكلة رسوم الخدمات الحكومية، يجب أن تتوازى معها مراجعة شاملة للإجراءات الحكومية المتعلقة بإنجاز المعاملات، لا سيما الطلبات الاستثمارية، ومشاريع ريادة الأعمال، وأي مشروع يُسهم في توظيف المواطن العُماني، فلا وقت الآن لأي إبطاء أو تأخير أو أن يقول الموظف العبارة الشهيرة "مُر بعد أسبوع".. ولذلك يحدونا أمل كبير في أن تتواصل مسيرة التطوير والتحديث، ونرى المحطة الواحدة في كل الوحدات الحكومية، والمناطق الصناعية والحرة والاقتصادية، كي يتحقق التمكين للقطاع الخاص وينطلق اقتصادنا في مساره المُخطط له وفق أولويات وأهداف رؤيتنا الوطنية المُستقبلية "عُمان 2040"، ونصل بعُمان الحبيبة إلى شواطئ الاستقرار والرخاء.