خليفة بن عبيد المشايخي
جاء إلى هذه الحياة ولم يكن يعلم عن خطوات المستقبل إلى أين ستأخذه، ولم يكن يدرك آنذاك طريق الالتحاق بالوظيفة والعمل ما هو؛ إذ الأمور لم تكن كحال اليوم، فكانت حاجة البلد لهم في ذاك الوقت ملحة وشديدة، ومن أجل ذلك، كانوا يأتون إليهم إلى قراهم وبلدانهم في سيارات الاندروفر والبديفورت وغيرها، يدعونهم للانضمام إلى صفوف الرجال البواسل.
وفي يوم ما وكان ذلك في عام 1988، اهتدى لأن ذهب مع جملة من ذهبوا إلى العاصمة، فحينما كان يراهم الشياب والأهالي في قراهم وهم حاملون حقائبهم يسألونهم إلى أين ذاهبون، فكان ردهم إنَّا ذاهبون إلى العاصمة، أي إلى مسقط، وفي ذاك الوقت وقبله الذي كان يذهب للعاصمة، كان ينظر له نظرة ملؤها الفخر والاعتزاز والإعجاب، لأن الذهاب من الولايات إلى مسقط في تلك الفترة، لم يكن مثل اليوم معروفًا ومألوفًا.
المهم أن صاحبنا سمع يومًا هو وزملاؤه في البلدة أن هناك تسجيلًا، فذهب حاملًا حلمه وطموحه بين يديه، عله يراه ماثلًا أمام عينيه، وكان يتطلع إلى أن يجد ذاك الطموح والحلم مكانه هناك.
وبالفعل كان رب العزة والجلال يرتب له ترتيبًا مفرحًا، فقد كتب له جلَّ جلاله أن يكون هناك في ذاك المكان والميدان والوحدة، ففيه أقسم "بالله العلي العظيم أن أكون جنديًا صادق الإيمان للخالق جلت قدرته، مؤمنًا بكتابه العزيز، مخلصًا لوطنه يذود عنه بكل ما ملكت يداه، حاميًا لأمنه وسلامته، وفيًّا لسلطانه، حارسًا أمينًا له، مطيعًا ومنفذًا لكل أوامره، سواءً في السلم أو في الحرب"، والله جل جلاله كان على ما يقول شهيد.
مرت الأيام تشق مسارها وهو بين جنباتها وأثرها وعواملها والميدان في الوحدة والصحراء والجبل، مثابرًا صبورًا مقدامًا شجاعًا، بعدما تشرف بأن أصبح جنديًا عسكريًا، وكانت الأوضاع التي يمر بها ويعيشها من أدى ذاك القسم والتحق في الخدمة العسكرية آنذاك، وخاصة في تلك السنوات وفي ذلك العام الذي تقدم ذكره وبعده، ليست كاليوم مريحةً، بل كانت شاقة ومُتعبة.
فبدءًا من السكنات لم تكن مُكيفة البتة؛ بل كانت بها مراوح فقط، وفي الصيف كانت لهوبًا كما هو متعارف عليه، أي الحرارة كانت مرتفعة وتصل في مسقط إلى مستويات عالية، وكانت التدريبات العملية والتمارين، شاقة جدًا ومُتعبة ومرهقة، إلا أنه وزملاءه كانوا يُقبِلون عليها بحب وشغف وتحمل وتحدٍ.
فلك أن تتخيل عزيزي القارئ أن تكون في الصحراء لمدة أسبوعين دون استحمام، وقد أثرت عوامل الطقس والجو عليك، وكذلك العمل والحفر بالكزمة والشيول كانت علاماتها على اليدين واضحة بعدما تحفر خندقًا هناك بمفردك، وتنتقل عنه بعد ردمه إلى مكان آخر، لتقوم بحفر خندق مماثل له هناك، وأن تمشي على الأقدام مسافات طويلة من الساعة الثانية ليلاً، إلى بدء الشروق فجرًا، من أجل "ساعة الصفر" إعلانًا لبدء المهمة، وكل ذلك وأنت تحمل على ظهرك أمتعتك وعدتك وعتادك وسلاحك.
مضى صاحبنا حوالي أكثر من 22 سنة وهو على قسمه وفي عمله مجتهدًا مخلصًا وفيًّا مطيعًا طموحًا، إلى أن جاء يوم يترجل إلى التقاعد بعد سنوات طويلة من العمل والجد والاجتهاد، ليكون ما استحقه بعد تلك السنوات والعمل والكفاح والنضال، راتبًا تقاعديًا قدره ثلاثمة ريال وزيادة.
البنك ما زال يأخذ منه مبلغًا فوق النصف نظير سلفة قديمة جدًا، ويذهب الباقي إلى استقطاعات قضائية إلزامية للنفقة الشرعية وغيرها من الالتزامات، وعندما يأتي يوم السابع من ديسمبر من كل عام وهو يوم المتقاعدين في قوات السلطان المسلحة والحرس السلطاني العماني، لا يوجد جديد يذكر في حياتهم ورواتبهم.
فالراتب هو نفسه الذي كان منذ سنوات، لم يرتفع، فالمتقاعد يحصل على راتب تقاعدي بنحو 300 ريال وربما أقل، وبسبب الاستقطاعات البنكية والالتزامات الأخرى لا يبقى له منه شيء.
إن أؤلئك المتقاعدين أخلصوا في أداء واجبهم العسكري عندما كانوا في الخدمة، وأسهموا بأدوار رائدة في تقدم وتطور قوات السلطان المسلحة، وتكريمهم ماديًا واجبٌ يأملونه.
وهنا أتساءل أليس تخصيص السابع من ديسمبر من كل عام يومًا للمتقاعدين دليلًا على الاهتمام السامي من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم القائد الأعلى- حفظه الله ورعاه-، وقبله السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بالمتقاعدين من منتسبي قوات السلطان المسلحة والحرس السلطاني العماني والأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى. أليس ذلك اليوم يعد تقديرًا سلطانيًا ساميًا للدور الذي قام به المتقاعدون منتسبو قوات السلطان المسلحة الذين خدموا الوطن وبذلوا الغالي والنفيس وقدموا أرواحهم فداءً له؟
إنَّ المتقاعدين العسكريين يأملون ويرجون أن يتم النظر في زيادة رواتبهم التقاعدية، كي يعيشوا في استقرار وبكرامة، فتعديل أوضاعهم المعيشية وزيادة رواتبهم، أمل ينتظرونه كل صباح.