فخامة عُمان

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

فخامة عُمان منبعٌ ومسلكٌ، الفخامة في عُمان الأرض والإنسان، هل تدركون الفخامة التي أفهمها عن بلدي؟ فخامة التاريخ العميق، القِدَم، السبق، العراقة، فخامة السلوك البشري مع الغير، فخامة السلوك الرسمي المحلي والإقليمي والدولي، فخامة الاحترام والتقدير الذي يحظى به العُماني أينما حلّ ونزل، فخامة العقد والحل، الفخامة التي تنبع من الداخل وتتمثل في الظاهر. الفخامة في معناها الواسع تنحصر في بلدي، ولا يشترك معها كثيرون، عُمان وأبناء عُمان هم الفخامة نفسها، في أخلاقهم وفي دينهم وحتى في مبادئهم الخام.

الفخامة في عُمان تنبع من التراث الغني ومن علمائها، ومن حركة البشر ومن الأسواق القديمة ومن قلاعها ومن بيوت الطين ومن الحارات والسكك ومن جبالها وسهولها وسواحلها ومن الألعاب المحلية، وتنبع أيضا من مهن أفرادها ومن رائحتها المعتقة بالورد والكاذي.

يسافر العُمانيون إلى أصقاع الأرض وحينما تحط أعينهم على مفاخر تلك البلدان (ميادينها، وأسواقها، وأماكنها السياحية) يشعرون بالفرح، يستمتعون ويبتهجون لكنهم لا يجدون الدفء والطمأنينة إلا بعُمان، بعُمان المكان والذكرى.

بلادنا ثمرة الرفاهية لمن يعرفها، وهي مهب كل ريح طيب على شعبها وعلى بلدان العالم، فلا تجد هدنة، أو صلح، أو وساطة إلا واسم عُمان يتقدم الآخرين، الخير دائما بدروبها وأفئدة شخوصها وفي نواياها المسالمة، وهي بيت الخبرة الذي يلجأ إليه العالم في حلحلة القضايا المستعصية.

وكما أنَّ الفخامة لا يعرفها كثيرون؛ فهناك من الشعوب من لا يعرف عُمان، اسم عُمان فخم لا يعرفه إلا قلة، وكبار قوم بلدان العالم يدركون من هي عُمان ويعرفونها حق المعرفة؛ فهي منتقاة يختارها العارفون فقط، من يقرأ يعرف عُمان وينتخبها، يصطف مع الفخامة والعزة والكبرياء، هي غير موجودة على قوائم الكره والبغض، طليعتها إباء، ونهايتها شرف وعلو ومجد، عُمان بين أخيلة كثيرين مقر للكرم والجود واصطفاء للخير والمودة.

قلت لكم إنها فخمة وأنا أقصد ذلك، والدرب يطُول في المشي على ترابها لوصف ثغورها المبتسمة، وجحورها الآمنة، وأحضان بساتينها الخضراء، نعم قلت لكم مسبقا ذلك وأؤكد عليه في خضم سردي المقتضب، نحب جوانبها الدافقة بالحب ونسبح في فسيح سهولها وميادينها المتسامية بالظل والعناق، ونعترك بصراحة جوها الصيفي اللاهب وجنوح شتائها نحو الإلفة والرفقة والمؤانسة، إنها عُمان، قطعة من التوسط السوي إلى المواءمة والائتلاف، الاتساق ومجاراة الطبيعة الحرة، ملاءمة وموافقة جهدها مع المتغيرات، مواكبة الحب الأزلي لشعبها، إلى كل ذلك مع اليقين بالترفع عن الصغائر، والقدرة على كظم الغيض، ورزانة الرأي، يقول أبو الطيب المتنبي:

وتعظم في عين الصغير صغارها

وتصغر في عين العظيم العظائم

هكذا هي عُمان تصغر في عينها عظائم الأمور، هكذا هي الفخامة، هكذا أرى الوقار، كبيرة بأفعالها وفكرها وكبيرة بنفسها ونفائسها، زهوٌ وشموخ، وشرفٌ أخلاقي عالٍ وباذخ.  

فخامة عُمان لا تخفى على أحد؛ فمن دخلها خرج مختلفا، إيجابيا ومتفائلا، مستبشرا وسعيدا، ليس فيها من يثير النزعات؛ فترابها يتحدث عنها، ووجوه الناس بها تثير أسئلة كثيرة حول مكونات مادة عيشهم ومنبت غذائهم، مبانيها، طرقها، مخططات مدنها، حدائقها وكل مكون لها.

مَنْ أكل من خيرات تراب بلدي تلوَّن بها، وتقارب سلوكه منها وأصبح عُمانيا بالعشرة والمخالطة، بالرفاق والمسامرة والأتباع، بالدأب والسعي والنشاط، عُمان فخمة كيفما تشاء، وهي كامنة في أقصى الشرق، وأول بلد عربي تشرق عليه الشمس، عُمان فخمة في أخلاقها؛ فهي لا تتحدث عن نفسها ولا تحوم حول منجزاتها ولا تثني على مزاياها، عُمان هيبة الماضي واعتبار الحاضر، رجاحة الرأي وسمو المقصد والغاية.

عُمان البلد الوحيد الذي يتمدد كلما مرت السنون، تتمدد أرضها اتساعا وروحها انبساطاً وسعة لأنها تحب الجميع وترى نفسها في كل بلد عربي آخر، ويرى العُماني نفسه متحدا مع هذه النظرة فهو أيضا يعشق السلام، ويرنو له أينما رفع رأسه ووجه، ويرى أن بلاد العرب أوطانه، عُمان لا تدركها أبصارنا برحابتها، ولا تغيب عن محيانا بكينونتها ومكانها وكيانها، عُمان مرايا العاشقين، نبض الولهى الهائمين.

فخامة عُمان سر لا نبوح به، وإن كان واضحًا جليًا، فخامة عُمان دروس الحاضر للتاريخ، ونتاج التاريخ للحاضر، وهي توأم الأصالة والشرف، فخامة عُمان جمال للروح ونبع متدفق للعطاشى ومرتع للمرتادين المحبين، فخامة عُمان خبرٌ طويل لا ينتهي ومرادف للتوق والاشتياق والحنين، عُمان سرد الرواة الحالمين بمدينة أفلاطون الفاضلة، وهي فلسفة الأشياء النادرة الوجود في كوننا، عُمان جميلة بكل أوقاتها وأزمانها، هي أرضي الرؤوم وكنزي الذي وجدته على مرأى من الجميع، هي الفخامة نفسها ودارها ومستقرها حبًا أزليًا مجيدًا.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة