"عجلًا جسدًا له خوار"

 

ماجد المرهون

majidalmrhoon@gmail.com

 

استعدت الجماهير من كل القارات لمساندة منتخبات بلدانها في مونديال كأس العالم، كلٌ بحسب عاداته وتقاليده وموروثاته وثقافاته من رقصات وأزياءٍ وتقليعات، كما شاركت فرقٌ من دولٍ بدون وجود منتخبٍ متأهلٍ لها وإنما حبًا في المشاركة، مما أضفى تنوعًا كبيرًا على العروض وزاد من الزخم الحركي على المشاهد.

وجرت العادة في مثل هذه الملتقيات العالمية الضخمة أن تنبذ الشعوب وراء ظهرها كل ما يعكر صفوها في اجتهادٍ واضح لتغليب مشاعر الفرح وإظهار الجوانب الإنسانية الإيجابية، ولا شك أنَّ لكل شعبٍ من شعوب العالم زاويةٍ جميلةٍ وأصيلة عرف بها ويسعى مُفاخرًا لإبرازها، ولكن تأبى بعض الدول والشخصيات إلا أن تُجسّد وجه لوسيفر (الشيطان) القبيح وتعكر صفو تلك التظاهرة المسالمة من خلال الخلط الفج للعسل بالخل، والترويج لأجندة أعدوا لها العدة سلفًا، كالتفاخر بالرذائل واحتقار الفضائل وإظهار حقدهم الدفين على الإسلام والمُسلمين وتقزيم المنجزات والتركيز على السلبيات التي تكاد تكون معدومة ويصبح عداؤهم للنجاح جليًا لا ينكره نزيه، وليبقى الصراع الأزلي بين الخير والشر مُستمرًا.

في الوقت الذي غادرت فيه دولةٌ صناعيةٌ عظمى لها تاريخٌ حافلٌ في عالم كرة القدم مونديال كأس العالم بعد عدة محاولاتٍ فاشلةٍ في استغلال المحفل لتطبيع الرجس والموبقات بذريعة حقوق الإنسان والعمال وإقران الحدثين ببعضهما، وإن كانا لا يقترنان، تبقت دولة عظمى أخرى لها نفس التوجه ولكن سياستها في الرد مُختلفة وتأتي بشكل غير مباشر على المستوى الاقتصادي وتواصل أعمالها من تحت الرماد مستعينة بالكتمان في المظهر العام، وربما تبقى لديها ذرةٌ من حياء وهذا في أحسن أحوال حسن الظن.

نجدُ في نفس الوقت أن هناك كيانًا مُشوهًا قد حزم أمتعته وقرر الذهاب للمونديال ولا يحمل في ثقافته اللقيطة أي نوعٍ من أنواع الإرث الإنساني الجميل الذي يمكِّنه من استمالة مشاعر الشعوب باستثناء المغرر بها، فطار مدفوعًا بأوهام المكاسب السياسية عندما طبعت معه بعض الدول مصدقًا بأهليته الكاملة ليقرر مجازفًا الخروج من عزلته في إجراء لقاءات وحواراتٍ مباشرةٍ مع الجماهير العربية في اعتقادٍ منه أنَّ 74 عامًا فقط كافية لتحويل الشيطان إلى ملاك، كما ظهر على الشاشات وهو يحاول تصوير الغرابة المصطنعة على قناع وجهه عندما يُواجه بعدم الترحيب من الجمهور الرافض والطارد له، متجاهلًا وبكل فظاظة خناجر نكباته التي غرسها في ضمير الأمة ومقلدًا للشعوب ذات الإرث الحضاري العريق والتي يُقبل منها تنحية الخلافات جانبًا لفترةٍ من الوقت.

لقد أعتقد الكيان المحتل مغتصب الأرض والعرض، أن القوانين التي اتفق عليها المجتمع الدولي على مدار العقود الماضية استطاعت أن تجد طريقها إلى تغيير مشاعر الشعوب العربية والإسلامية، فحمل معداته وانطلق ليكسب شيئًا من التعاطف بعد أن أوقعه وهمه في نفس التضليل الذي مارسه على العالم مُعتقدًا أنه قد آتى أُكُله وحان موعد الحصاد ليجد أن الخدعة لم تنطلِ على أحدٍ سواه بعدما كذب الكذبة الإنسانية الوقحة تتلوها الكذبة حتى استمرأها وهو أول من وقع في هوةِ تصديقها لتعيده جماهير كرة القدم إلى عزلته التاريخية التي عاشها في شتاتهِ وسيبقى كذلك طالما أنه مستمرٌ في شرعنة مغتصباته وجرائمه تحت كثافة غطاء الدعم الغربي.

ما يُثير الشماتة أن بعثة الكيان المحتل لم يتسنَ لها الوقت الكافي للتزوير والتضليل الإعلامي؛ حيث إن جماهير كرة القدم صريحة جدًا وليس لها أجندة تمررها ولا مكاسب أو مصالح تحققها من وراء الكذب، كما إن اللقاءات مباشرة وسريعة ولا يمكن فبركتها ولم يجد مقص رقيبهم مجالًا كافيًا للوصل والتنميص، والنمط المتسارع لمجريات الأحداث هناك لم يمكنه من تسويق نغمات طنبورة الشاذة فهو يلعب على أوتار التزوير التاريخي والتغيير الثقافي اللذين يعتمدان على تعاقب الأجيال، لذلك لم تجد بضاعته المزجاة قبولًا بين الجماهير الكروية، كما لم يجد لنفسه حليفًا يسانده في معاناة الإقصاء الطبيعي التي يتعرض لها، وحلفاؤه التقليديون من القوى العظمى مشغولون بوضع اللبنات الأساسية للمثلية وإيجاد موائلٍ خصبةٍ لقطعان الأجيال القادمة من المجذوبين إليها وحمايتها من الانقراض وتوفير كل سبل التكاثر المُشوه والعيش المُقرفِ لها.

إنَّ فترة شهرٍ غير كافية لصناعة إعلام مضاد يمكِّن قوى الظلام الخفية من نشر الأكاذيب التي تصب في مصلحتها وخداع الشعوب البعيدة غير المتضررة من الاحتلال الصهيوني، ولم يخدم الجلاد الذي استمات في إيهام العالم بإنسانيته المكذوبة وأحقيته المزعومة كل ماقام به من محاولات الاستجداء خلال قرن إلا ربع من الزمان عندما حطمت الجماهير أقدام تمثاله القزم على مشارف الملاعب العملاقة في عدة دقائق.

ولو أن مناشط كأس العالم هذا تستمر 70 عامًا على الأقل لاستطاع الكيان المحتل أن يستخلص بنودًا جديدة تضاف لقوانين معاداة السامية وتمكّنه من تجريم الجماهير في حالة الامتناع عن إجراء المقابلات واللقاءات الصحفية مع قنواتهم والزج بهم في سجون الاحتلال!! ثم تحريك مجلس الأمن للمساعدة في تكثيف الشعور بالقلق وبأحقية الدفاع عن النفس من خلال فرض حصار على قطاع لوسيل والضفة الغربية لإستاد البيت!!