مونديال "بأس" العالم الغربي

 

ماجد المرهون

majidalmrhoon@gmail.com

 

تُحاول الروح السياسية الاقتران بكل ما تطاله مخالبها مثلما تجسدت في الحروب بوجه غاية في القبح، وشكلت الاقتصاد بين يديها كعجينة الصلصال ثم طوعت التجارة لمن يلتقي معها في توجهاتها، ولا بأس في حومة بين الحين والآخر حول الأديان والشرائع والإعلام والسينما، وها هي تحوم الآن حول المحافل الدولية كالألعاب الرياضية.

من الطبيعي أن تُستغل التجمعات العالمية التي يُتابعها الملايين وربما المليارات مثل كأس العالم لكرة القدم، في الترويج التجاري والدعاية، وهذا أمر مُتعارف عليه يقع ما بين تشارك المصالح وتكافؤ الفرص لمن يقدم الأفضل والأكثر، كما إن هذا الترويج تحكمه ضوابط أخلاقية نزيهة لا تختلف عليها المُجتمعات الإنسانية القويمة كثيرًا، فإذا كانت القاعدة الأساسية التي تحكم الموضوع بشكل عام هو الدين والثقافة السائدة للمُضيف والتي يتوجب على الضيف احترامها، فإنَّ المُخالفة بعد العِلم بها ولو بالقليل ما هي إلا تعمد لإحداث خرق، وليس بسبب الجهل إطلاقًا، فدافع المُخالف المخترق هو التحدي الصريح الذي يحركه شعور الكبر والتَّعالي الداخلي من جهة ونظرة الاستحقار والدونية من جهة أخرى حيث لاتزال كيمياء ثقافته محصورة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ولكل قاعدة شواذ.

نُلاحظ أنَّه من الصعوبة بمكان إسلام أحد مشاهير هوليود ولا نجد مثل تلك الصعوبة في إعلان نجم رياضي عالمي إسلامه؛ حيث إنَّ هوليود صناعة يهودية بامتياز وتحكمها قوانين الطغمة المسيطرة خلف كواليس أستوديوهاتها العملاقة والتي قد تُؤثر على مسيرة ذلك المشهور المهنية وربما يصل التأثير إلى مسيرة حياته كلها، بينما لم تتحقق لها نفس السيطرة على عالم الرياضة وخصوصًا كرة القدم بسبب المنافسة العلنية المقيدة بقوانين الانضباط وعقوبات المخالفة وجماهير شديدة التعصب والولاء لن تقبل بتمرير ما، من شأنه التأثير على فريقها المنتخب من الشعب والمدعوم من حكوماتها، وإن اضطرت إلى التنازل عن بعض ما اعتادت عليه في مُجتمعاتها المطلقة الحرية كالخمور والتعري والشذوذ.

عندما ضرب المكسيك زلزال بقوة 8 ريختر في عام 1985 وقبل كأس العالم بثمانية أشهر، لم يُعطِّل ذلك استضافتها للبطولة وهي دولة منكوبة بكل المقاييس؛ بل ساعدوها ووقفوا بجانبها؛ حيث تتلاشى الشؤون المادية فجأة مقابل المعنوية، فلم يقم العالم ويقعد، ولم تتعالَ الأصوات الأوروبية بعدم أهلية المكسيك لإقامة البطولة، ولم يكن في وقتها أيدلوجيات جديدة ذات طابع أخلاقي يُراد تمريرها من خلال استغلال المحافل العالمية، كما إن ثورة المعلومات آنذاك كانت تعتمد على الإذاعة والتلفزيون والصحافة الورقية فقط.

ما يظهر جليًا اليوم أن الفكرة تجاوزت لعب كرة القدم للفوز بالكأس، إلى تدخل معايير جديدة لتقوم شخصيات معروفة ودول بجلال قدرها إلى تقليب أحجار بعيدة لم يقلبها غيرها من قبل لإيقاظ عقارب من سباتها في محاولات تغليب المعلومات المعنوية المضللة على المادية الواضحة لكل ذي لب.

إنَّ مخالفة الفطرة الإنسانية القويمة بمحاولة إشاعة الرذيلة من خلال دعم الشركات العالمية والأفراد المؤثرين والشخصيات الاعتبارية من ذوي المسؤوليات الكبيرة سواءً كانت رجالًا أو نساءً، لن تتقبلها المجتمعات المسلمة مهما طال زمن محاولات الإعلام العالمي ترسيخها، ويبقى اللامقبول أخلاقيًا منبوذًا ولو في شكله الظاهري على أقل تقدير، كما إن المجاهرة بالرذائل تعكس صورة سلبية عن المجتمع الممارس لها، والحكومات التي تُصوِّر نفسها بأنها مُحبة للإنسانية وتتبجح بتطبيع المعاصي ضمن الحريات الشخصية وتحميها بالقوانين وتقبلها على شعوبها هي حكومات غبية جدًا مصابة بانفصام في الشخصية وتكشف بيدها عوارها، وقد لاحظنا ذلك عندما أسقطت آخر ورقة توت تستر بها عورتها.

بدأ تسييس المثلية الجنسية يدخل حيز التنفيذ من خلال الدعم الدولي، ثم محاولة نشره عالميًا في استغلال واضح لكل وسائل الإعلام المتاحة، والتي كان يرفضها حُراس البوابات الإعلامية والأخبارية في تلك الدول حتى فترة ماضية قريبة، والتي قبلته اليوم على نفسها. وهذا أمر لا نُنكره؛ كونها لا تبالي بالتفسخ الأخلاقي في شعوبها وبين مجتمعاتها والذي بدأ بسيطًا في مراحله الأولى، عندما أُخرجت المرأة من حشمتها وزُج بها إلى ساحات المعارك والحروب، وتعاظم الأمر تدريجيًا حتى وصل إلى مستوى عدم إنكار كل مُنكر، ومن أراد إنكاره عمليًا فإنَّ عصا القانون له بالمرصاد، وستعيده إلى رشده وتُخرسه إلى الأبد، فأين حقوق الإنسان هنا؟!

ما يُثير الاشمئزاز أن يظهر تحديهم بكل صلافة إلى إكراه مجتمعات أخرى على قبول انحلالهم في كأس العالم تحت شعارات الإنسانية والحرية الزائفة التي يروجون لها، لتخترق في محاولة تشبه تهريب المخدرات، شخصية سياسية (وهي وزيرة ألمانية) يُفترض أن تكون مرموقة، كل خطوط المراقبة بلباس متنكر؛ لتُظهِر أخيرًا وبكل فخر شعار المثلية على زندها المُترهل، كما يظهر سوبرمان في أفلام هوليود شعاره على صدره العريض، ولكن يُقال إنه يفكر بالتوجه لدعم المثلية في مغامراته السينمائية القادمة وقد بدأ فعليًا بذلك في مجلات الكوميكس!

إنه لمن المستحيل أن يتفق فريق كرة قدم بالكامل مع جهازه الإداري والفني على قبول الترويج للفسق مع دعم حكومي كامل، إلّا إذا كان هناك نوع من الإجبار أو الإكراه بالظهور بذلك المظهر المنافي والمعاكس لثقافة المكان وطبيعته، ولا استبعد أن الطغمة المتحكمة فيما وراء كواليس هوليود هي من تدعم هذا التوجه وتسخر إعلامها وتبسطه على كل الترددات الأفقية والرأسية؛ حيث إنَّ تعزيز دور الأقليات مبدأ أصيل تعض عليه بالنواجذ، ولن تفرّط بهذه البساطة في الفرصة الذهبية لتجمع كأس العالم الذي طال انتظاره والاستعداد له دون اقتناصها لنشر تلك الثقافة العفنة والترويج المجاني لها.