رسالة من عام 2714

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

وجدت هذه الرسالة القديمة مؤرخة بعام 2024؛ بمعنى أنَّها قبل 690 عامًا من اليوم، حين كان فتيل الخلافات في العالم قد اشتعل وأوشكت النزاعات على الانفجار لتشكل الحرب العالمية الثالثة حسب التاريخ الذي تعلمنا شيئًا منه في مراحل دراستنا الطفولية، وطبعًا الحديث هنا عن أبناء الجيل من مواليد عام 2670 ميلادية وما قبله، أما بالنسبة للأجيال الجديدة فقد التبست عليهم بعض الأحداث والمفاهيم المغلوطة التي يستقونها من شبكات الأقمار الاصطناعية والخلط بين الحرب العالمية الثالثة والرابعة، وإن كان التفريق بينهما لا يتطلب كثيرًا من العناء لبلوغ الحد الأدنى من الفهم، وكذلك وقع العالم القديم -العصر الحديث بتعريفهم- في الخلط بين الحرب الأولى والثانية ولسان حالي يقول: "عجبًا لحال أولئِك القوم، من كان يلعب بعقولهم؟! ألا يوجد بينهم رجلٌ رشيد؟!"

عمومًا، وكما فعل ابن جبير الأندلسي وكولومبوس وماجلان من قبل، فإنَّ الرسالة هنا تذكر أنَّ علماء وكالة "ناسا" يكتشفون المريخ باعتبار أنَّ ذلك حدثًا مُعجبًا، ثم الكواكب القريبة من الأرض التي ناء التوسع البشري وأطماعه بمساحاتها الطبيعية، وتُعرف لاحقًا تلك المساحة المُحاطة بسياجٍ أو سور بمفهوم الوطن ثم يتنازعون أمرها بينهم، ويتركز محور الرسالة حول الأحداث السابقة للحرب العالمية الثالثة وإن كانت لم تقع ضمن المفهوم المتعارف عليه للحروب العالمية كونها نشبت بعيدًا عن مراكز الدول التي تُديرها وهي أقرب ما تكون للحروب الصليبية في العصر الكلاسيكي ذات اللمسة الدينية المقدسة بمعتقد الغُزاة، وليس كما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية حين كان الصراع المباشر بين دولةٍ وأخرى أو تحزب دولٍ متحالفة ضد دولةٍ أو عدة دول، إلا أن المبدأ تقريبًا واحد في كل الحروب؛ إذ لا تُفهم الحقائق إبان استعار أوارها وحتى لمن عايشها باستثناء فئةٍ قليلةٍ من كبار الساسة ومن الذين يقودون تلك المفتعلات حتى تتكشف بعد عشرات السنين من انتهائها، ويتفق الجميع بأن كل فئة حاربت لأجل تغليب مصلحتها وهو حقٌ من منظورها وجب الانتصار له، مع الاعتراف بأن هذا الحق كان يعمد لفرض هيمنة طرفٍ على آخر، وبسط سطوة المنتصر ومد نفوذه على الطرف المهزوم تمهيدًا لإقصائه ومسحه من الوجود وتخلو الساحة للقوي ويستبد بالأمر ويصبح المتحكم التام والآمر الناهي والمُصدر للأنظمة والقوانين والمسيطر على مفاصل الحياة والمتحكم بمجرياتها وسحق كل إرادة مناوئة له.

قبل قرابة سبعة قرونٍ كانت دول أمريكا الشمالية متحالفة تحت إدارة رئيسٍ واحدٍ منتخب باتفاق التكتُل العام ليشكل ما كان يعرف بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن منظور الاتحاد ورئيسه فإنهم يعتقدون بسيادتهم وأنهم أصحاب الحق الأول للتحكم ببقية دول العالم، وقد أكسبهم النفوذ العسكري والمالي والعلمي اعتناق ذلك الاعتقاد، بالمقارنة مع بقية دول العالم والعالم الثالث على وجه الخصوص بحسب تقسيماتهم الطبقية آنذاك، ويبدو أنهم كانوا يعشقون التقسيمات التعريفية الغريبة ذات الفوقية والدونية والتصنيفات التي تحمل الدلالات اللونية، والتأشيرات النفسية والسلوكية من خلال الأديان والأعراق والمِلل، ومالاحظته أيضًا أنهم كانوا يُسَمون أنفسهم بالغرب وبالعالم الأول وباللون الأبيض وبأبناء المسيح وأبناء الرب وغيرها من العنصريات التي يتظاهرون بمقتها، وهي ملاحظة جعلتني أتفكر فيها طويلًا حيث تزينت لهم الدنيا واستتبت لهم كل سبل العيش الكريم والرفاه، ولكن غوائل الزخرفة في الفلسفة الإبليسية تُمنطق الاستبداد؛ بل وتجاوز الأمر إلى أبعد من ذلك عندما وضعوا لأنفسهم المعيار الفوقي من ناحية المكان جغرافيًا والمكانة علميًا والثقافة والسياسة والإعلام، وقد تمكنوا إلى حدٍ بعيدٍ من تأصيل تلك المعايير في الوعي العام لشعوب العالم وبات من غير اليسير لدى كثيرٍ من الناس التخلص منها أو القبول بغيرها، وعلى كل حال كانت حضارة تلفظ أنفاسها الأخيرة.

عمومًا، كان ماسبق هو تلخيص مفهوم الفكر والثقافة السائدة في العالم في ذلك الوقت، وعودًا على مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثالثة قبل 690 عامًا، والتي اتخذت أشكالًا متعددة من النزاعات وكان أبرزها محاولة فرض كيان صهيوني متعدد الجنسيات والقوميات مع مسحةٍ دينية أو على الأقل في المظهر العام، كانت المحاولة تستهدف العالم العربي الذي كان حينها شديد التفكك، وفي مرحلة ضعفٍ هي أقرب ما تكون إلى دويلات الطوائف في الأندلس قبل سقوطها كلها، وقد استمرت فترة محاولة إحلال ذلك الكيان الذي لا يتحمل النفخ لأكثر من 80 عامًا بغرض السيطرة على موارد تلك المناطق ثم تعظيمه للتحكم بالمنافذ البحرية المُطلة على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ويصبح التحكم بعد ذلك بالمحيطين الأطلسي والهندي تحصيل حاصل من خلال السيطرة على الحكومات التي تُشرف على جبل طارق وباب المندب؛ إذ كانوا يعتمدون- آنذاك- على السفن والتجارة البحرية ومحركات احتراق الوقود الأحفوري وليس كما هو الحال اليوم في الاعتماد على النقل الجوي الهيدروجيني وما تحت البري في الكبسولات الكهرومغناطيسية منخفضة الضغط أو كما تُسمى عرفيًا بـ"أنفاق غزة".

وأكثر ما يدعو للغرابة هو أنَّ قوة الولايات الأمريكية التي كانت كلها متحدة مع إسناد من بعض دول أوروبا لم تتمكن من فرض الكيان الصهيوني مع كل المقومات الصناعية والممكنات المالية والعلمية التي لا تبقي مجالًا للشك بإمكانية بسط نفوذها كيفما شاءت وأينما أرادت.

في عام 2023، وتحديدًا في شهر أكتوبر تعاظمت قوة حركةٍ شعبيةٍ للمقاومة تسمى "حماس" ويقال إنها تأسست قبل ذلك ولكن لم يكن مفعولها العملي قد اتخذ منحنى جادًا، من حيث التخطيط لإطالة عمر المعركة إلا بعد "طوفان الأقصى" وهو العيد الوطني الذي ما زالت تحتفل به دول الشام إلى اليوم، وأنهكت هذه الحركة الناشئة بجنود قلائل من "كتائب القسام" التحالف الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي الصهيوني الباحث بظلفهِ عن موطئ قدم على التراب العربي -الوطن العربي بحسب التقسيمات المعروفة آنذاك- ووقفت في وجه جيشهم المؤدلج حين أشيعت تقريظاتٍ بأنه لا يقهر، وقد أذاقتهم المقاومة المرار والخسار وعصفت بقواتهم عصفًا عظيمًا، مع أنها في مقاييس الردع العسكري لاتدخل ضمن نطاق تصنيفات القوة المضادة ولا المكافئة ولكنها فعلت وتمكنت من إحكام قبضتها على مجريات الأحداث رغم الحجم الهائل للتضحيات التي قدمتها؛ سواءً على مستوى عدد القتلى والمصابين أو الدمار الشامل الذي لحق بمنطقتهم -غزة الحرة- حسب ماجاء في مذكرات الحفيد الثامن للمناضل الشهير السنوار، ومن تحت أرض هذه البقعة الصغيرة من العالم تأججت الخلافات في عمق الكيان المزعوم والذي صدره بدوره ليطال القيادة الأمريكية وتحفيز ولاياتهم المتحدة على الانفصال.

ماتت الحركة الصهيونية كما مات اتحاد الولايات الأمريكية ودولارها وأورامها في الرأس مالية والاتحاد السوفيتي والاشتراكية من قبل والحروب الصليبية والخرافات الأسطورية ويُروى تاريخهم في صفحات كما يروى تاريخ الدولة الإسرائيلية البائدة في سطور، إلّا أن الشرارة الصغيرة في رفاة معتنقي الصهيونية لا زالت تدغدغ مشاعر الإرث القديم الساعي لإحياء تكتل جديد في بؤرة مخصصة لهم على اليابسة المتصلة بالدول، وبعث الحلم التلمودي للحياة من مرقده ولن تخبو جذوته طالما أنَّ هناك من يفكر بأنانية الاستحواذ وامتلاك كل شيء لنفسه على حساب القوانين والأعراف والقيم الإنسانية، وبما أن الكسر قد أصاب شوكتها وطال معقلها فلن تقوم لها قائمة على الأقل خلال المئة عام القادمة مع الصراعات المستمرة بين دويلات أمريكا الشمالية وحالة العوز وشح الموارد التي تعاني منها الدول الأوروبية.