يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"الكتابة اقتراب واغتراب ويتبادلان الماضي والحاضر" محمود درويش.
*****
مؤشر الكتابة ينخفض ويرتفع، لا أعلم بسبب مزاج، أو غياب الحافز أم الإنشغال، أو بالأحرى لأنه لم يعد لدي شيء مهم يفيد القارئ، بين فترة و أخرى أفكر في التوقف،وأتوقف فعلا، ثم أعود إما لسبب معقول، أم للرغبة في الكتابة!
أعتقد أن أسوأ شيء يمكن أن يقوم به الإنسان هو أن يكون كاتبًا، لكن هل سأتوقف؟ أم أستمر؟ الله العالم.
أرسلت ما سبق لأحد الأحبة فأجاب: شعور طبيعي، تشعر برغبة عارمة بالتوقف ثم تعاود برغبة أشد، رددت عليه: والله مدري لكن أحيانا تنعدم الرغبة، وينتصر الملل، قال: ممكن إذ كانت الكتابة هواية وروتينا طارئا أما إذ كانت متأصلة فلا فكاك، قلت: هي خلط بين الاثنين، هواية وروتين، طارئ ومتأصل، هل تصدق أعتبرها كهاجس الشعر، أي على حسب المزاج تقريبا، رد علي: إذن تمام !
قبل فترة وهي بقياس الزمن تعتبر قصيرة كتبت مقالا غير قابل للنشر وأرسلته إلى عدد قليل من خاصة الأحبة بخصوص الكتابة وهاجس التوقف، وأتذكر أن أحدهم طلب مني أن أرسل المقال للنشر وبالطبع صيغة المقال لا تناسب النشر، والقضية ليست مقال نشر أم غير قابل للنشر بالنهاية هو مقال بين ملايين المقالات، وكم من مقالات عليها القيمة لم تقرأ بالقدر الكافي، ما ذكرني بذاك المقال هو كتابة هذا المقال الذي تقرأ كلماته الآن، ولا أعلم ما الذي سيخبئه الزمن لكاتب يصر على هامشية الكتابة وتهميشها مهمشة متهشمة!
الكتابة أعتقدها مزاجا نفسيا أكثر منها مهنة، وأتساءل لو كانت مهنتي كاتب كيف سيكون حساب الراتب المالي لها، هل على عدد المقالات، عدد الكلمات، عدد الأوراق، أم ماذا؟
بعد إنجاز هذا المقال وكان قد تضمن اقتباسًا لحوار إلكتروني قصير جدا مع أحد الأحبه، والذي أرسلت له للاستئذان بنشر الحوار القصير بالطبع بلا ذكر أسماء إنما ضمن سياق المقال، وبعد أن طال وقت انتظار الرد، فهمت أن عدم الرد يعني عدم الموافقة إنما بأسلوب مؤدب، فتقبلت الرأي كما فهمته أنا؛ إذ ليس كل علامة سكوت هي علامة رضا كما يفهم الكثير؛ بل فهمتها على أنها علامة عدم موافقة، وهنا تذكرت عبارة للفلسطيني الرائع مريد البرغوثي- رحمه الله-: ألا تساوي متعة الحذف متعة الكتابة؟ وهل تستمد الكتابة قيمتها إلا من المحذوف الذي تعمدنا حذفه ليتجلى؟
لذلك حتى ممارسة الحذف أثناء الكتابة قد تعتبر خلقا نبيلا وتصرفا محمودا، فللمجالس أمانات سواء كانت إلكترونية أم حضورية فالإنسان احترامه واجب أياً كانت وسيلة التواصل .
حتى نضع الأمور بمقياسها الحقيقي علينا أولاً أن نفهم أن الكاتب الآن ليس كالكاتب قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وهي التي أكلت الأخضر واليابس، إذ بتغريدة واحدة ممكن أن تعبر عمَّا يمكن كتابته بمقال كامل، هذه حقيقة عوامل التعرية الزمنية، ولا ضير من ذلك، فالتقدم العلمي ليس خيارًا؛ بل أصبح حقيقة واقعة لا مناص منها، لكن هل هناك من يقرأ المقالات الطويلة أو الأعمدة في الصحف، بالطبع لابُد من وجود قراء إنما ليسوا كالقراء في السابق ممن يأكلون الصحفية من الصفحة واحد للصفحة الأخيرة، حتى الإعلانات تمت قراءتها بالكامل، الآن بنظرة واحدة تقرأ تغريدة، وتفهمها وتفسرها، ثم تغلق لوحة المفاتيح بجهازك في لحظة واحدة، إنه عصر الهبورجر وأظن حتى الهبورجر لم يعد يلحق، وبانتظار شيء أسرع!
أتعاطف مع من يبحث في المكتبات عن مراجع ومصادر ويقرأ كتابًا وراء كتاب، وأناظره من قبيل الشفقة والتعاطف، قبل يومين أحد الأحبة أشترى مجموعة معاجم بمبلغ مائة وأربعين دينارا كويتيا، وهو لم يشتريها إلا بقناعته بفائدتها، طيب من يصدق أن في عصر السرعة وعصر وسائل التواصل بل وعهد تويتر من يقوم بذلك ويشتر معاجم بهذا السعر؟
إنِّه الشغف بالمعرفة، إنها القناعة بأهمية الكتاب رغم وسائل التواصل ورغم أنف التكنولوجيا، مثل هذا الصديق يستحق التقدير لأنه فعلا قدر إرثا يستحق التقدير، والحفظ.
وعودة لموضوع أدرنالين الكتابة، أولا سأسألك وأنت تقرأ المقال هل تعرف معنى أدرنالين؟ أبحث عنه، شغل مخك قليلا، أشعر بما يشعر به الكاتب، يا أخي تحرك قليلاً القراءة لوحدها لا تكفي للمعرفة، أليس كذلك؟
الأكيد أنَّ الكتابة باقية ما بقيت العرب الباقية بقسميها، مهما تعاظمت سطوة وسائل التواصل، تبقى الكتابة ويبقى الكاتب، وهنا وبما أن الشيء بالشيء يذكر يحكي أحد المعلمين ويشكو من ضعف الكتابة والخط عند طلبة الجيل الحالي خاصة المرحلة الثانوية، مايؤكد أن وسائل التواصل والكتابة عبر ازرار جهاز الهاتف لم تجد حلاً لضعف الكتابة، فهي أصبحت مجرد آلة طابعة رقمية لا أكثر!
الخلاصة.. لربما استمر ولن يغير ذلك في الواقع الكتابة بشيء، ولن يقدم أو يؤخر، وممكن جدًا أتوقف عن الكتابة ولا أظن أحدًا لا في الشارع الذي أسكن فيه ولا حتى محاسب السوبر ماركت المجاور سيعلم أو سيتأسف لذلك، فمن يكتب فإنه يكتب لنفسه أو على نفسه قبل أي شيء؛ فالقلم هو مكان اللسان الذي إن صنته صانتك، وأتذكر قوله تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (ق:18).
رحمنا الله جميعا أحياءً وأمواتًا، وشفى الله من كان مريضا شفاءً تامًا لا يغادر سقمًا.. وحفظ الله الجميع من كل داءٍ وشرٍ.