ميلاد أُمَّة

 

د. سلطان بن خميس الخروصي

sultankami@gmail.com

لا تُخلَّد الأسماء إلا بعظيم إنجازها، ولا يُستمطر الخلود إلا بجلال شواهده، ولا يُشار إلى هيبة التاريخ إلا ببساطة حديث النَّاس وحَكَوَاتهم الصادقة، ولقد خلَّد المجد بهاء صفحاته بعُمان العظيمة شموخًا وإباءً وإنجازًا يشهدُ لها القاصي والداني، وينحني لها الصديق والعدو، ويتعلَّم من فطنِتها وحِنكتها وسياستها وفلسفتها من له شأن وقيمة وجودية حضارية في هذا العالم.

إن الثامن عشر من نوفمبر الخالد يروي حكاية أُمة وُلدت لتُجدِّد العهد والوعد بمجدها، وعلو كعبها في الحضارة الإنسانية السَّامية، وتُظِهرُ للعَيان الفلسفة السَّوية التي رسمت خارطة عمان الحديثة لصاحبها السلطان قابوس بن سعيد- طيَّب الله ثراه- لتستنير باستمرار هذا النهج القويم لعاهل البلاد المُفدَّى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله- بخُطى ثابتة وواثقة تتصدَّى لكل عقبات أو عثرات تحدُّ من تَحقُّق التنمية والعيش الكريم للإنسان في هذه الأرض المباركة، متجاوزة في ذلك ما شهدته  البلاد في مراحل مؤلمة جعلت من قلوب الناس وعقولهم موقدًا مُزعجًا إلتهم الأخضر واليابس، فغابت العدالة الاجتماعية، وعاش الناس فقرًا مُدقعًا، وإحباطًا مُؤلمًا، ألقى بظلاله على الداخل والخارج.

في مثل هذا اليوم 18 نوفمبر، وُلد السُّلطان قابوس- طيَّب الله ثراه- ليكون خالدًا في صدور العمانيين، وليحمل على كاهلهِ ذات يوم إِرثًا عظيمًا يحتاج لهندسة دقيقة، فيتجلَّد في خطاباته السامية بعد حين مسؤولية جسيمة كانت بمثابة البلسم الشافي والعلاج الناجع، فبسط سيطرة الدولة على كل شبر من أرض عُمان الخالدة، وانتهج شعار "عفا الله عمّا سلف"، مقتديًا في ذلك بفعل النبي الكريم، حينما فتح مكة وقال لأهلها "اذهبوا فأنتم الطُلقاء"، فخلَّد التاريخ تلك الملحمة التي دفعت جموع العمانيين للوقوف خلف قيادته وشعارهم "ماضون خلفك لا شِقاق ولا فِتن".

 

من يتفحَّص فلسفة الخطابات السامية في عهد الدولة الحديثة يشعر بلغة الشراكة المجتمعية الحقيقية في رسم سياسة الدولة وأجندتها ورسم خارطة الطريق المُثلى للعيش الرغيد التي تُرجمت في وضع مسارات رؤية "عمان 2040"، وما يجري حاليًا من أجل تطبيقها، وفي ذلك إشارة واضحة للنضج السياسي، واستيعاب لماهية المستوى الاجتماعي الآمن، الذي تسعى الفلسفة السياسية لتحقيقه، بهدف الوصول للمستوى المرغوب في سبيل إنجاز التنمية المستدامة، واستيعاب مستجدات المرحلة، والابتعاد عن المركزية التي تولد البيروقراطية والتقهقر في دفع عجلة التنمية.

إنَّ الثامن عشر من نوفمبر، علامة فارقة ومرحلة مفصلية في إحياء أمة عظيمة، وُلِدَ عصرها المشرق بذكر قائدها الخالد الذي أخرج وطنه من عزلة مظلمة كغسق الليل الحالك إلى النور البازغ المشرق، ليحمل على كتفه مسؤولية التعليم النظيف، والصحة السليمة، وفتح مسارات البلاد لتكون لُحمة وطنية متكاملة، وشقَّ طريق التخلف بمعول التطوير والتنمية، وأخرج الأمة من عُمق زجاجة العشيرة والمشيخة المُطلقة إلى دولة المؤسسات والتشريع والقضاء النَّزيه، فعمرت البلاد، واستكان العباد، وهدئت النفوس، ونشطت مشارب العلوم والمعرفة.

رحم الله باني عمان الخالد، وأدخله واسع جناته، ليظل اسمه في صفحات المجد والتاريخ، وفي صدور العمانيين وهم يرون شواهد البناء والتطوير، وسيعزف الجميع سيمفونية الولاء والطاعة لعاهل البلاد المفدى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق- أيَّدهُ الله- في استمرار مسيرة البناء والتنمية وتعزيز النهضة المتجددة لهذا البلد الأشمّ، مُستشرفين المستقبل الزَّاهر بما تُوسِّم به الخير والصلاح والبناء، مُشمِّرين عن سواعد الجدِّ والاجتهاد، مُهلِّلين ومُكبِّرين ومُحتفلين بيوم عمان الوطني الخالد.

وكُل عامٍ وعُمان بخيرٍ وفي سلامٍ وتقدمٍ.