كاتب على المُوجة!

 

د. سلطان بن خميس الخروصي

sultankamis@gmail.com

 

"لا حقيقة ثابتة في الصُحف، إلّا صفحة الوفيات" قد يتفق البعض مع ما خلَّده قول نجيب محفوظ ويعارضه آخرون، لكن تظل الحكمة والغاية الأسمى من ذلك هي تقديم محتوى إعلامي محترف ومتميز؛ فالصحافة هي مرآة المجتمع والدولة، وهي لسان المُعدمين والظالمين، وهي سلاح الدَّراويش والأرستقراطيين، والتاريخ الحديث يروي ملحمات مُشرِّفة ومؤلمة عن تفاصيل حياة الأمم في ظل حِراك آلة الإعلام لتقدم رسالتها لجميع الأطراف، لتظل الشجرة المُثمرة أصلها ثابت قويم وفرعها شامخٌ في السماء أمام كل النَّزوات والصراعات والمُهاترات التي تحصل بين الفينة والأخرى.

ويمثل "الكاتب" الحُرّ النبيل رأسُ سِنام الصَّحافة؛ فهو قلبها النابض، وجسدها السليم، ودليلها المُستنير، وقلمها الوضَّاء، ومرآتُها النَّاصعة ما إن التزم بمبادئه السَّوية، وآثر الصالح العام بعيدًا عن نزواته ورغباته المُتطرِّفة. فلقب "الكاتب" الحقيقي لا يُمكن أن يُطلق جُزافًا على من رصَّ الكلمات، وزاوج الجمل، وقارب المعنى، لكنه يُكذِّب واقعه، ويعتلي على ظهر الفُقراء والعوزة والمُعدمين، ويُغطِّي الحقائق الدامغة كالشمس البازغة بغربال مُتهالك، فلا يستحق هذا اللقب "من ركب الموجة" بهدف الشهرة أو المكسب أو الاستعطاف، فمثل هؤلاء لا يمكن وصفهم إلا كزبد البحر يذهب، فمن يرى الفقر وحاجة الناس وفاقتهم ليرسم بقلمه المسعور لوحة بهيَّة تعكس الرفاهية المجتمعية ورغد العيش الكاذب فلا يستحق أن يكون كاتبا، ومن يؤمن في قرارة نفسه وعقله بأن الأفكار الآيديولوجية السمجة التي تتغلغل بين أوساط المجتمع غير منطقية، لكنه يُطبطبُ على كتف مُروّجيها ويُشهرُ سيف مداده للدِّفاع عنها فلا يستحق أن يكون كاتبا، ومن لا يقبل الانحطاط الأخلاقي في أهل بيته لكنه يشدو بمقالاته وقصائده مُحفزِّا ومُشجعا ومُروِّجا ومستسهلا هذا التميّع في أبناء وطنه فلا يمكن قبول قلمه بأن يكون كاتبا، ومن يرى إنجازات وطنه على مستوى المؤسسات أو الأفراد لكنه رضي أن يكون قلما مأجورا يقدحُ في أي إنجاز يقدمه وطنه فلا مُقام له على طاولة الكُتَّاب.

إن الكاتب الرزين الذي تنشدهُ الساحة الإعلامية هو من ينقل الواقع على حقيقته، فيحلِّلهُ، ويُقدِّم حلوله ومُقترحاته، ويبعث برسائله لمن له صلة بالموضوع بما يخدم الصالح العام بمهنية وواقعية مسؤولة. وفي وطننا الغالي الذي يزخر بعدد غفير من الأقلام اللامعة والمُشار لها بالبنان، نلحظُ حِراكًا مريبًا لبعضها، فلا نقبلهُ تقديرًا لأقلامهم الرفيعة التي عهدناها، ولا نرضى بأن تحيد عن جادَّة الصواب حتى لا تُلقي بظلالها على المجتمع، فهناك الكثير من النَّزوات الفكرية الصبيانية التي تلفظها التُربة العُمانية اليانعة، فلا يمكن قبولها عُرفًا ودِينًا وأخلاقًا وقانونًا، وكما أُثر عن رسول الله "الدِّين النصيحة" فمن واجبنا أن نُقدِّم لها التوجيه والنُّصح بأن القابض على قلمه السَّوي كالقابض على الجمر، فلا تغُرنَّكم متاع الشُهرة ولُعاب المال والبهرجة، فالوطن أغلى وأغنى من هذه الزوبعات، فعضُّوا على نواجذ أخلاقكم، والتزموا بآداب
أوطانكم، واستبطنوا واستظهروا عظيم تاريخكم وعُلمائكم ومُفكِّريكم، وكونوا السند والظهر لوطنكم وسُلطانكم وصالح أمتكم في المنشط والمَكره، ولا تكونوا أقلامًا لامعة تخفت وتظهر حسب الموجة.

دمتم بود..