قمة الفرصة الأخيرة بالجزائر

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

نحن على بعد أيام قليلة من موعد انعقاد أخطر قمة عربية في تقديري الشخصي، كونها تنعقد في ظل ظروف عربية ودولية استثنائية ودقيقة للغاية، ولا يمتلك عرب اليوم من خيارات سوى التسليم واليقين بأن ظروف انعقاد القمة والملفات المطروحة للنقاش لا تحتمل المزيد من التسويف والترحيل أو التأجيل لأنَّ فيها مستقبل العرب جميعهم وبلا استثناء؛ موالين للغرب أو معارضين له.

جروح عربية مفتوحة، بدءًا من جرح فلسطين الغائر، وصولًا إلى نكبات اليمن وليبيا وسورية، ومحن متجددة في لبنان والسودان، فنظام عالمي جديد يتشكل عبر الأزمة في أوكرانيا لن ينتظر أحدًا، ولن يقدم جوائز ترضية لمن يجترون الماضي.

أزمات عالمية على صُعد الطاقة والغذاء والقيم، تجتاح العالم وتنفرد بالقاصي من القطيع لتلتهمه بلا رحمة، وأزمات هوية طاحنة تتسرب للشعوب لتعبث بموروثهم القيمي، واستعمار تقني يُطل برأسه ليطال العالم بأسره وخصوصًا المستهلكين لهذه التقنية بلا وعي ولا دراية ولا إدراك بما يُحاك ويُخطط لهم.

في تقديري الشخصي أن "قمة الجزائر" هي النداء الأخير للنظام الرسمي العربي لكي يُدرك حجم المخطط له ومصيره الحتمي في قادم الأيام، وكذلك حجم الدور الموكول إليه للمزيد من القطيعة ومنسوب الفجوة بينه وبين شعوبه، تلك القطيعة والفجوة التي اهتزت كثيرًا حين اختبرت في فصول الربيع فاستصفت من الشعوب والنُظم أسوأ ما بهم من طباع وسلوكيات مبطنة لعقود طويلة خلت.

الأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة بعرب اليوم أكبر وأخطر بكثير من التفكير في تقديم القرابين وقضم الأطراف إرضاءً للسيد الأمريكي وكما كان الحال، فهذا السيد المزعوم ميت سريريًا منذ سنوات خلت وبعض عرب اليوم ما زالوا يُقدمون نُسكهم ومحياهم له دون أن يسألوا أنفسهم لماذا؟!

فيما مضى كنَّا نتحدث عن المقومات الطبيعية للأمة العربية ونرتلها كالصلاة، من موقع جغرافي مميز وثوابت مشتركة وثروات طبيعية هائلة، وثروة بشرية متفردة جعلت الغرب يوظفها في حروبه بالمنطقة لتهجيرها قسرًا للغرب، هذه الثروة المنسية التي تحرك الاقتصادات الغربية ومؤسساته العلمية والأكاديمية بفعل عوامل الطرد من الوطن العربي والجذب في الغرب. لهذا لم نعد اليوم من الممكن أن نتحدث بلغة "بلاد العرب أوطاني" والمصير التاريخي المشترك للأمة، فقد أصبح رجسًا من عمل الشيطان بعد أن شيطنه البعض وجفف منابعه في العقول والمناهج والخطاب الإعلامي والسلوك السياسي، ولكننا سنتحدث بلغة المصالح العارية والتي توجب على عرب اليوم التسلح بها ونسيان الثوابت المشتركة إلى حين.

عرب اليوم يمتلكون أوراقًا سياسية خطيرة تجعل منهم رقمًا صعبًا في التوازنات الدولية القادمة وتجعلهم ممن يلتقطون المستقبل بكل ارتياح، فمنطق ومصالح العالم اليوم ينحصر في الطاقة والغذاء، والعرب يمتلكون الاثنين معًا.

كل ما نتمناه اليوم كشعوب هو التفكير بلغة المصالح وتحكيم العقل فقط، وبهذا سنهتدي تلقائيًا إلى أن للجغرافيا أحكام وللهوية أحكام وللتاريخ أحكام وبالمجمل لا يوجد في قاموس الغرب عربي صالح وآخر طالح، فكلاهما صالحان تحت التراب فقط! والأزمة الأوكرانية اليوم لن تتوقف عند جغرافية بعينها؛ بل ستمتد تداعياتها وارتداداتها إلى جميع أرجاء المعمورة لأنها أزمة حادة بين أقطاب كبرى، وصراع لن يتوقف إلا بزوال طرف بشكل كلي أو جزئي.

وعرب اليوم في وضع سياسي واقتصادي يسمح لهم بالانعتاق من ثقافة "بلفور" و"سايكس- بيكو"؛ لأن الغرب في وضع انعدام الجاذبية وتهافت الأولويات، وبهذا نتحرر من ثقافة الدولة القُطرية الوظيفية التي غرسها الغرب قسرًا وتسببت في هشاشة الأمة وقابليتها المعيبة للخضوع والانهزامية والاستسلام.

الملفات المفتوحة في السياسة معرضة دائمًا للمزيد من الأوراق، لهذا بقيت العديد من القضايا العربية كالجروح المفتوحة بفعل الترحيل والتأجيل ثم التدويل وبروز المحاور، وآن الأوان لغلقها كسبيل أوحد للبقاء والالتحاق بركب المستقبل.

قبل اللقاء: من يقرأ التاريخ يقرأ المستقبل.

وبالشكر تدوم النعم.