د. صالح الفهدي
"انتهى العيد" عبارة قالتها جورجيا ميلوني زعيمة اليمين المتطرف في إيطاليا بعد فوز حزبها بأكبر نسبة أصوات يحصلُ عليها حزبٌ يميني متطرف على الإطلاق في تاريخ أوروبا الغربية منذ عام 1945، وذلك في معرض هجومها المباشر على المفوضيَّة الأُوروبية التي توعَّدت بعقوبات إن فاز حرب اليمين المتطرف –في تدخِّل سافرٍ للديمقراطية التي يتظاهرون بحمايتها- تقول ميلوني: "إنهم قلقون جميعا لرؤية ميلوني في الحكومة، انتهى العيد. ستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها القومية"، وها هي تنصَّب رئيسة وزراء إيطاليا كأول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في إيطاليا.
لقد اعتُبر فوز اليمين المتطرف بمثابة زلزالٍ حقيقي في إحدى الدول المؤسِسة لأوروبا وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، وقبلها فاز حزب "ديمقراطيو السويد" اليميني المتطرف في السويد، وشهدت أوروبا تنامي الأحزاب اليمينية المتطرفة كحزب "البديل من أجل ألمانيا" في ألمانيا، وحزب التجمع الوطني في فرنسا، وحزب "فيدس" اليميني في بلغاريا، في حين حين أعيد انتخاب فيكتور أوربان، زعيم الحزب اليميني والمعروف بمواقفه الرافضة للهجرة للمرة الرابعة، وفي فرنسا أيضًا حزب التجمع الوطني اليميني بـ89 مقعدا في الانتخابات الفرنسية البرلمانية، وتعد هذه النتائج انتصارا كبيرا للأحزاب اليمينية في فرنسا. فما دلالات ذلك؟!
يرى بعض المحللين أن هناك مجموعة أسبابٍ تقف وراء صعود اليمين المتطرف في إيطاليا ومنها سياسة اللجوء والهجرة التي تتبعها دول الإتحاد الأوروبي، وأنها أحزابٌ قامت في الأساس على انتقاد سياسات الحكومة وبرامج سياساتها الإِقتصادية، لكنني أرى أن هذه الأسباب ليست وليدة اللحظة فهي على رأس أولويات هذه الأحزاب منذ سنوات عديدة ولكن ذلك لم يمكِّنها من الفوز بل ظلت مهمَّشة، مقصيَّة إن لم تكن مزدراة من قِبل الشريحة الواسعة للناخبين الأُوروبيين، فضلًا عن أن أجندة انتقاد السياسات والبرامج الحكومية يتبناها في الغالب كل حزبٍ معارض وليس بالضرورة اليمين المتطرف.
لكن السبب الأكبر في وجهة نظري هو تداعيات السياسات الأوروبية نحو أوكرانيا والتي تبنَّتها دول الاتحاد الأوروبي تنفيذًا لأوامر وإملاءات الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت النتائج كارثية عليها؛ إذ إنها أضرَّت بالشعوب الأوروبية اقتصاديًا، والاقتصاد هو المحك الرئيس للناخب الأوروبي لأنه يتعلق بلقمة العيش، فأصبحت الشعوب الأوروبية تعاني الأمرَّين من جراء ارتفاع أسعار الطاقة، وتكاليف المعيشة، وضاقت ذرعًا بسياسات الحكومات الأوروبية الليبرالية، فمالت الشعوب إلى مناصرة الأحزاب اليمينية المتطرفة ليس حبَّا في أفكارها وأجندتها، وإنما كرها للحكومات اليسارية واليمينية المحافظة التي لم تعد تراها تخدم مصالحها.
من المؤسف أن اصطفاف هذه الدول بالعدة والعتاد خلف أوكرانيا كان على حساب حكوماتها بل على حسابها هي ذاتها كحكومات فبدأت تتساقط من قِممها، الأمر الذي يهدد كيان الوحدة الأوروبية!
لقد صدق القول "من يزرع الريح يحصدُ العاصفة"، وهذا هو ثمن اقتفاء خطى أمريكا دون تفكر في النتائج الوخيمة، وثمن اتباع السياسات الرأسمالية التي تثقل كاهل المواطن الأوروبي.
إنَّ مثل السياسات الأوروبية وأمريكا هي مثل قصة الأسد والثيران الثلاث حيث احتال لافتراسها واحدًا بعد الآخر بعد أن وافقته، حتى بقي الثور الأخير الذي رفع عقيرته صائحًا: "لقد أُكلتُ يوم أن أُكل الثور الأبيض"!! على أن الثورين الأسود والأحمر سيفقدان حياتيهما وسينجو الثور الأبيض (روسيا)!