يا من أعدت انسجام الإنسان مع الوجود (3)

 

د. مجدي العفيفي

  (8)

(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ)

بلى.. أنت فينا يا رسول الله.

عندما كنتُ رئيس تحرير جريدة "أخبار الأدب" القاهرية، نشرتُ ملفًا عن سيدنا محمد صلى الله عليه وملائكته، وحمل ورقة للفيلسوف الألماني كارل ماركس صاحب المادية الجدلية، عن رؤيته للنبي العظيم محمد، وفي الملف استدعيتُ حديثًا للمفكر الراحل رشدي فكار أدلى به لصفحة «أخبار الأدب» بجريدة «الأخبار»؛ والتي كانت نواة الجريدة التي أصدرها بعد ذلك أستاذنا إبراهيم سعدة، في سلسلة إصدارات دار أخبار اليوم (التابلويد)، وقال رشدي فكار لأستاذتنا حُسن شاه: «إن كارل ماركس عاد إلى الله في آخر حياته»! كان ذلك عام 1980.

طبعًا ثارت ثائرة الملاحدة السُذج والذين يدّعون الشيوعية، ولا يزالون حتى الآن صبيانًا في عالم الفكر والفلسفة، وهم لا يدركون أول أبجدية الفكر اليساري الحقيقي، الذي تشكلت في كنفه طويلا طويلا، ثاروا عليَّ وأقاموا ضدي عاصفة الصحراء كعادتهم وعادة كل مفلسي الفكر الجاد، وما كانت إلا زوبعة في فنجان مقلوب!

وفي كتابي الذي انتهيت منه "تجليات النار والنور.. تفكير في اللامفكر فيه"، حققت ووثقت هذه الشهادة من ماركس في فصل رسالة إلى صاحب الرسالة: "هذا النبي افتتح برسالته عصرًا للعلم والنور والمعرفة، حريٌّ أن تدون أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة، وبما أن هذه التعاليم التي قام بها هي وحي فقد كان عليه أن يمحو ما كان مُتراكمًا من الرسالات السابقة من التبديل والتحوير، إنَّ محمدًا أعظم عظماء العالم. والدين الذي جاء به أكمل الأديان".

(9)

(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّه)

 بلى.. أنت فينا يا رسول الله .

ولأنَّ المناسبة الكونية بميلاد محمد خاتم النبيين، صلى الله عليه وملائكته، تجب تلك السذاجة؛ إذ هي الأبقى أثرًا والأطول عمرًا والأغزر فكرًا، فنواصل طرح منظور كبار المُفكرين والباحثين في العالم  القديم والمعاصر عن النبي الكريم. إذ يقول الروائي الروسي الشهير لوي تولستوي في كتاب "حكم النبي محمد" الصادر عام 1915، مُعبرًا عن إعجابه بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم (ذكر 56 حديثًا)، في الصفحة العاشرة من الكتاب: "مما لا ريب فيه أن النبي محمدًا من عظام الرجال المصلحين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة، ويكفيه فخرًا أنه هدى أمته برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح نحو السكينة والسلام وتفضل عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام".

وها هو الرئيس السوفيتي الأسبق ميخائيل جورباتشوف يقول: "إنَّ الشيوعية فشلت والبديل لا يكمن في الرأسمالية ولا في الاشتراكية ولا في أي مبدأ آخر من هذه المبادئ وإنما يكمن في نظام آخر فعلينا أن نكيف أنفسنا حسب حضارة أخرى هذه الحضارة لن تكون إلا حضارة الإسلام هذا الكلام يقوله واحد من أبناء الشيوعية ومن الاتحاد السوفييتي "سابقا" الذي تجرع الناس من شيوعيته العذاب ألوانا".

وفي الشرق أيضًا  نقرأ للبروفيسور يوشيودي كوزان مدير مرصد طوكيو باليابان: "لا أجد صعوبة في قبول أن القرآن كلام الله، فإن أوصاف الجنين في القرآن لا يُمكن بناؤها على المعرفة العلمية للقرن السابع، الاستنتاج الوحيد المعقول هو أنَّ هذه الأوصاف قد أوحيت إلى محمد من الله".

(10)

(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ)

بلى.. أنت فينا يا رسول الله .

ولا بُد أن نتمهل أمام شهادة الرائع الهندي العالمي المهاتما غاندي في حديث لجريدة«ينج إنديا» مُتحدثًا عن صفات سيدنا محمد: «أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مُقتنعًا كل الاقتناع بأنَّ السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته؛ بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة».

ويتبعه البروفيسور الهندي راما كريشنا راو في كتابه «محمد النبي»: «لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها. ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبي، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلا».

وها هو منظور ساروجيني نايدو شاعرة الهند: «يعتبر الإسلام أول الأديان مناديًا ومطبقًا للديمقراطية، وتبدأ هذه الديمقراطية في المسجد خمس مرات في اليوم الواحد عندما ينادى للصلاة، ويسجد القروي والملك جنباً لجنب. اعترافًا بأنَّ الله أكبر، ما أدهشني هو هذه الوحدة غير القابلة للتقسيم والتي جعلت من كل رجل بشكل تلقائي أخًا للآخر».

(11)

ومن الشرق العظيم إلى الغرب- الذي يُظلِم الآن أكثر مما يُشرق- نتواصل في نور وضياء الذي أعاد انسجام الإنسان مع الوجود كله.