الأسواق الشعبية وتنشيط السياحة

علي بن بدر البوسعيدي

منذ قديم الأزل والأسواق الشعبية تمثل واحدة من أبرز الملتقيات الإنسانية؛ حيث كانت توفر للجميع موقعًا مثاليًا للتسوق والالتقاء والتعرف على الآخرين، ومع تطور الحياة تطورت فكرة الأسواق الشعبية، لكنها حافظت على جوهرها الأصيل، وهي أنها باتت مركزًا للإشعاع التراثي والحضاري، ولذا لا تجد سوقًا شعبيًا إلا ويزوره السياح، رغبةً منهم في التعرف على الماضي العريق للبلد الذي يزورونه.

وهنا في وطننا العزيز، تنتشر الأسواق الشعبية التراثية في كل الولايات، وقد تجد في الولاية الواحدة أكثر من سوق شعبي وتراثي، ولذا يجب الاهتمام بهذه الأسواق وإيلائها العناية اللازمة، بما يضمن انتعاش الحركة التجارية فيها، خاصة وأن معظم العاملين في هذه الأسواق هم من الشباب والشيوخ المواطنين، وهناك أسواق لا تجد فيها بائعاً غير عماني أبدًا، ما يؤكد أهمية هذه الأسواق في دعم الأسر وزيادة دخلها.

لكن مع الأسف الشديد، تتعرض هذه الأسواق حاليًا لحالة من عدم الاهتمام، تسببت في تجاهل تطويرها والعمل على إدخال التحسينات بما يحفاظ على رونقها الحضاري، وهنا أشير على سبيل المثال إلى سوق مطرح أو ما يُعرف بسوق الظلام، الذي يُعاني من إشكاليات عدة، منها ضيق مساحته وهيئته غير الحضارية، حيث تجد المحال التجارية تجاور بعضها البعض دون أي نوع من التنسيق أو الجماليات، وتجد محلات بيع البخور تلاصق بيع المشغولات الذهبية ومحال أخرى، في مشهد فوضوي لا يعكس أبدًا قيمة هذا السوق الحضارية التي تعود لأكثر من قرنين من الزمان. الحقيقة أن هذا السوق في أمسّ الحاجة إلى إعادة النظر فيه، حتى لو اضطررنا لهدم أجزاء منه وإعادة بنائها وفق أنساق حضارية ومعمارية راقية، تمزج الأصالة مع المعاصرة، وهذا ليس بالأمر الصعب، ونقترح أن تتولى تكلفة ذلك شركات القطاع الخاص الكبرى التي بدأت نشاطها منذ القدم في تلك المنطقة العريقة. كنتُ أتمنى أن نستغل فترة إغلاقات كورونا- لا أعادها الله- لتنفيذ مثل هذه المشاريع الطموحة. وإنني لأقترح تنفيذ هذا المشروع في أسرع وقت ممكن ضمن مخطط حضاري واسع يستهدف منطقة كورنيش مطرح وحتى حديقة ريام الشهيرة، وضمان إعادة تشغيل برج ريام التاريخي، الذي لا يعمل منذ عقود طويلة، رغم أنه أيقونة عُمان في العديد من وسائل الإعلام الدولية.

السوق الآخر الذي أريد الإشارة إليه هو سوق السيب، الذي يعاني كذلك من الإهمال وتشوه في المظهر الحضاري، ويحتاج بشدة إلى إعادة تأهيله في إطار مشروع واسع يستهدف تأهيل ورفع كفاءة هذا السوق مجددًا، ليكون كما كان سابقًا، قِبلة للتجار والمتسوقين.

وختامًا.. حديثي عن حاجتنا لأسواق تراثية في صورة معمارية حضارية لا ينتقص منها شيئا، ولا ينتقد جهة بعينها، ولكنه حديث ينطلق من الحرص على صورتنا وهويتنا التراثية التي نفاخر بها.. فهل من مُجيب؟!