سليمان المجيني
من الطبيعي التحدث عن مساوئ التعليم المسائي، خصوصًا لتلاميذ الصفوف الأولى، الصفوف التي يشق التلاميذ فيها طريقهم نحو ألف باء التعليم، ولا يمكن مقارنة أوقات تعليم الصغار بتعليم من هم في المراحل الأكبر، الذين يكون التعليم المسائي لهم أقل وطأة عن الصغار.
فعلى المستوى الأسري فإنَّ الأسرة تعاني منه؛ حيث يقع الظلم على الأسرة بأكملها، فالأم العاملة لا تستطيع رؤية أبنائها لفترة تقرب من إحدى عشرة ساعة متواصلة (من السابعة صباحا تقريبا إلى الساعة الخامسة والنصف أو السادسة مساء تقريبا)، وهي فترة طويلة لا تتحملها الأسرة العُمانية، فضلا عن أن التلميذ الصغير سيتأثر بهذا الغياب ظهرا أثناء تجهيزه من قبل عاملة المنزل ومساء بسبب التعب والإرهاق، وستكون المدة المتاحة للالتقاء ومذاكرة الدروس هي فترة المغرب وهذه الفترة قصيرة جدا كما أنها مرهقة أيضًا للأم والأب فلا يستطيعان الخروج من البيت نهائيا لقضاء بعض الحوائج أو الترفيه.
وبالقدر الذي يؤثر فيه التعليم المسائي على الأسرة والتلميذ الصغير بالقدر الذي يكون فيه العائد ضئيلا ولا يتلاءم مع حجم التوقعات التي تضعها الأسرة لابنها أو ابنتها، ولعل إمكانيات الطفل هنا لا تساوي النتائج؛ ففي الوقت الذي يكون فيه الطفل مهيئاً لتقبل العلوم ومنفتحا للدرس والتعليم نجابهه بصعوبات فقد الأم لفترة طويلة، وهذا الأمر غير مستساغ في عرف المجتمع فما بالنا بالاستيعاب والعلم.
من النقاط الهامة أيضاً أن تدريس المرحلة الأولى من التعليم في الفترة المسائية رهين تفكير غير عملي؛ لأن الوقت الذي يتماشى مع العطاء هو الفترة الصباحية، والمسألة التعليمية والاستيعابية التي تخرج عن هذا التوقيت تكرس لأهمية بقاء المرأة في المنزل وهو ما يعني الرجوع للمربع الأول.
عمل المعلمة المسائي له ضرره البالغ على الأسرة أيضًا، ففي حين يعمل الزوج صباحاً فإن تعجيم الأسرة سيكون مزدوجا ولا شك أن لقاء الطفل بوالديه سيكون من الصعوبة بمكان في ظل هذه الحياة النمطية السلبية، وليتني أستطيع التخفيف من وطأة الجيل الذي سوف ينشأ بهذه الطريقة.
على الجيل القادم من طلبة الفترة المسائية مواجهة صعوبة التأقلم مع الأسرة وعلى الأسرة تقبل ذلك؛ فربما تكثر المشاحنات الأسرية، وربما يكثر الجفاء داخل البيت الواحد لأن فترة وضع المبادئ والسلوك الاجتماعي كان الطفل خارج هذه الحسبة التي سرقتها أيادٍ خارجة عن المألوف.
أما فترة الإجازة الأسبوعية فلن تكون كافية للتأقلم مع الأسرة لأنها وقت مرح الطفل وهذا حق مكفول له؛ بل هو ضروري وهام لبناء شخصيته وتكوين علاقاته مع المحيط الذي يعيش فيه، ولأن المجتمع الذي حوله سيكون مثله تماماً فإن الأنانية ستكبر فيهم ولن يكون للأسرة رأي أو تصور في المستقبل.
ولأن حجم الأنانية سيزداد لدى هذا الطفل وذاك؛ فإن التشبث بالتعليم المسائي لهؤلاء الأطفال كالقنبلة الموقوتة التي ستنفجر في أي وقت، الموضوع سيؤجل إلى حين لكنه آت، وحينها على مؤسسات الدولة تحمل النتائج، فالجيل لا يكترث لأحد، ولا يملك المشاعر والأحاسيس الكافية للتقدير، والأهم هو غياب القدوة التي تحفزهم على العمل والاجتهاد إلا من رحم ربي وعاش في برج عاجي.
وهنا نأتي إلى المدارس الخاصة التي تربي جيلا بعيدا عن مشكلات المجتمع، والتي تكرس الطبقية المقيتة؛ فمن يحتمي بوفرة مالية من الآباء يفضل نقل ابنه/ ابنته إلى المدارس الخاصة بسبب ميزة التعليم الجيد والفترة الصباحية، وهذا ليس بعيدا عن ذاك.
وأخيرًا.. إنّ سبب الانتقادات التي تشن على مدارس التعليم الحكومي هو في الأصل وجود مدارس خاصة، لأن تطوير المدارس الحكومية رهين بالمسؤول عنها، ولأن أغلب من لديهم الأموال نقلوا أبناءهم للمدارس الخاصة؛ فإن المسألة ترجع إلى الأهالي قليلي الإمكانيات، عليهم مواءمة أبنائهم للتعليم في المدارس الحكومية أياً كان وقتها أو مستواها.
عليّ توفير القوت المدعم بعناصر الصحة كالحديد والزنك والفيتامينات المختلفة، وعليك البحث عنه من هنا وهناك، ولأن الأمر يحتاج إلى بعض المال فعليك الرضا بما يستر نفسك ويقوم عيشك، فالعناصر الأخرى ليست من نصيبك، وهنا مغالطة كبيرة شديدة الخطورة.
المساواة هي أساس تطور التعليم، فالممكنات الموجودة بالمدارس الخاصة يجب أن تكون موجودة في المدارس الحكومية حتى لو أدى ذلك لإلغاء ما يسمى بالمدارس الخاصة، والتعليم الصباحي حتى لو أدى ذلك لبناء مزيد من المدارس تستوعب الأعداد الكبيرة، يتزامن معه تأهيل المعلمين وتدريبهم تدريبا متقنا، وتخصيص رواتب عالية تعبر عن الجهد الذي يبذلونه، وهذا الأمر يحتاج إلى إيمان بأهمية توفير جميع العناصر القابلة للحياة والعيش في ظل دولنا النفطية.
ولأن وزارة التربية والتعليم وضعت استراتيجية للتخلص من التعليم المسائي يتم تنفيذها في العام الدراسي 2014/ 2015 فقد استبشرنا خيرا لكن عاد ذلك سريعا ولم تصمد. الاستراتيجية انقلبت – فجأة - إلى خطة قصيرة قابلة للتغيير.