كُن لنفسِكَ مَلِكًا

 

د. سلطان بن خميس الخروصي

sultankamis@gmail.com

 

من أصعب المراحل التي تمر في حياة الإنسان، الانهزامية؛ فحينما تجد الأخيرة مسارًا نشطًا تنشرُ في جسد الأمل والطموح خلاياها المُهلكة، فتتقاذف أناقة الروح وجمال مُحياها بالذُبول والانهيار، ومن هنا جاءت النَّزعة البشرية السويَّة على مرِّ التاريخ الإنساني المتعاقب مبنية عل الهمَّة والنشاط لكسب الرزق، أو القتال من أجل المبادئ والثوابت، وأحيانًا كثيرة في سبيل قُدسيَّة العادات والتقاليد والأفكار المزدوجة.

روح المرء عبارة عن جُملة من التكوينات المتضادة في فهم مكوِّنات هذا الكون والمواقف التي تستجدُّ بين الفينة والأخرى ضمن سلسة تجارب الحياة، إلا أن الكَيِّس من عمل ليكون مَلِكَا لنفسه بعيدا عن قُرناء الإحباط والبؤس والانهزام؛ فالسلبية تبعثُ في الروح الحيَّة سقمًا قاتلًا، وتقلب الهمة للتميّز تراجعًا سقيمًا، وتُغلِّف التفكُّر والإبداع بقوالب قاتمة مليئة بالجمود والغباء والنمطية.

والإقبال على الحياة طبيعة إنسانية سويَّة جُبلت عليها النفس والجسد، وما يحدث للمرء من تقلُّبات الحياة بكل صنوفها من رغدٍ أو شظفٍ ما هي إلا أدوات قُدِّمت لك لتُبدِع في هندسة قصرك طوال عمرك المحدود، ثق أنك خُلقت مَلِكًا لذاتك فعليك أن تُشيِّد لها قصرا يليق بها، قوامه الحِكمة والتفاؤل والإبداع والإقبال على الحياة بحلوها ومُرِّها، تأكد أنك لست الوحيد في هذا الكون من يتمتع برغد الحياة أو تعاني من شقائها، كما وتأكد أنه لن تُصفِّق لك البشرية إذا صادقت وسادتك، وجالست أطلالك، وعاشرت السلبيين، وبنيت أكواماً من الموت المحقق البطيء؛ بل سيقف الجميع إكبارًا أو إرغامًا ليُحيُّوك على إنجازك وأثرك العلمي والعملي والاجتماعي، انطلق وكن رقما كبيرا في سماوات الأرقام الصعبة، فإن سقطت طوال سنوات عصيبة فذلك ليس عيباً فغدا ستقف قوياً في يوم مشهود للجميع، وبما أنك تؤمن أنك سترحل عن هذه الدنيا دون أدنى شك وستكون وحيدا مع نفسك فاجعل من هذه القناعة دافعا إيجابيا لتصُالح ذاتك وتُنزلها مقامها الذي تستحقه.

يُقال "تحمَّل الألم ساعات لكن لا ترضى باليأس لحظة"، وورد في حديث التربية أن الجنَّة على الأرض هي خيارٌ نصنعه نحن وليس مكانا نبحث عنه، والطَموح هو من يملك عقلًا لا يشيخ، ونحن في هذا المقال لا ننشد المثالية، بل لا نستمطر الفلسفة الأفلاطونية بقدر ما أننا نحاول أن نقف على المُربَّع الذي ينبغي أن نكون عليه، ومن يقرأ التاريخ يستكشف كيف بعث الطموح أممًا وحضارات عظيمة من رماد الذُّل والانهيار والإحباط، بل من هو شغوف بالقراءة ومتابعة مستجدات العلم والعلماء يستحضر خلود شخصيات لم تكن تحسب لذاتها قيمة في هذا الوجود، لكن تحريك المياه الراكدة جعل منها وجوهًا مشرقة في تاريخ الإنسانية، فليس عيبًا أن يسقط قلب المرء وعقله في وحل اللاشيء واهتزاز شخصيته وقيمته، بل والشعور بأنه هامشي ولا يستحق أن يكون له مكان في الحياة، لكن المزعج والمؤلم أن يصل لقناعة بأن يستمر على هذا الحال، وينتظر الزمن أن يتغير فلربما ترحمه الفرص أو تقصمه.

والوصول إلى لحظة النجاح قد يستهلك من عمرك وجهدك وقلبك عشرين عامًا، لكن المهم أن تصل وتُحقق المراد بأي ثمن كان وهو أفضل من أن تستمر في لعن الظلام لعشرات السنين، إن مجالسة القلوب والعقول السلبية تتطلب منك مهارة التعامل معها، فمن وقع في هذا الوحل تجده يكيل لك أطنانا من الهم والحزن والغم فهو على جانبين، أولهما قلب مكسور، وعقل مبتور يحاول أن يبحث عن من يخفف عنه ألمه وأتراحه وهنا دورك كبير في أن تنبث فيه الروح المُطمئِنة، وتُفجِّر في أعماقك طاقتك الإيجابية التي طمستها حتى اللحظة، فليس من الضرورة أن تبتعد عن هذه الفئة فهي واقعة في ذات شبكة الصيد التي وقعت فيها أنت، أما الصنف الآخر من هؤلاء السلبيين فهو من لا يستكين قلبه إن وجدك ناجحاً وتقاتل لنجاحك بكل بسالة؛ فيسعى لأن يحطمك أمام أول حجر عثرة في طريق تحقيق طموحاتك ومثل هذه الفئة إما أن تثبت شخصيتك في وجهها بكل عنفوان إيجابيتك وروحك الهادئة وإما أن تنسحب عنها بمهارة وإتقان وليس بجفاء وفجور في التعامل الإنساني.

ثقْ دائمًا أنه أنت من يُحقق طموحك، وأن ما أنت عليه اليوم من إنجازات ونجاحات هي صفحة من صفحات كفاحك المشروع، وأنك تملك مواهب جمَّة أُودِعت فيك فليس لك الحق أن تئدها، كن دائماً الإصدار الأول من نفسك، واجعل عينيك على النجوم وقدميك على الأرض، واعلم أنَّ من لا هدف له ولا طموح كالهُلام لا يعرف كيف يغوص في أعماق روحه، بل ويتكلم مع نفسه عن عدم جدوى وجوده، ويتذمر عن فراغ حياته، ولا يعرف ماذا يُريد؟، فالحياة مليئة بالحجارة فلا تتعثر بها، بل اجمعها وابنِ منها سُلَّمًا ساميًا مكينًا يصل بك إلى قصرك العامر.

** كاتب وباحث، دكتوراه في علوم التربية