النادي الثقافي والدور المأمول منه

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

شاركت ليلة البارحة بحضور أمسية شعرية أقامها النادي الثقافي للشاعر السعودي جاسم الصحيح وكوكبة من الأشقاء السعوديين المعنيين بالأدب والشعر، وبقدر فرحتي بالحضور ومناسبة الجمع والالتقاء مع عدد من المعنيين والمشتغلين بالشأن الثقافي بالسلطنة من عُمانيين وأشقاء مُقيمين وزوار، بقدر تألمي لحال هذا الصرح الثقافي الذي علقنا عليه آمالًا كبارا منذ إشهاره للعناية بالشأن الثقافي والارتقاء به وممارسة دوره المرجو في غرس الوعي وتعميقه، وأن يكون لبنة صلبة من لبنات الوجه الفكري للدولة، إضافة إلى كونه بيتا لكل معني ومهتم بالثقافة في سلطنتنا الحبيبة. وقبل الخوض في انطباعي عن حال النادي والممكنات التي كنا ومازلنا نرجوها له ومنه، فلنقف عند سيرة نشأته وماهيته في استعراض سريع وموجز اقتبسته من موقعه الرسمي.

يُعد النادي الثقافي مؤسسة ثقافية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، يعمل ويساهم في الارتقاء بالشأن الثقافي من خلال برامجه وأنشطته المتنوعة وعبر روابط تعاون وتكامل مع المؤسسات العاملة في المشهد الثقافي العماني في قطاعيه العام والمدني الملتزمة بالتنمية المعرفية بكل أبعادها ومضامينها. كما إن النادي أول تجمع ثقافي يتصف بالعمومية والشمولية بهدف توثيق الروابط الثقافية والاجتماعية والمهنية بين كافة أطياف المثقفين وتشجيعهم على إقامة جسور التعاون الفعَّال مع المؤسسات العلمية والثقافية المعنية أو المماثلة.

وقد حرص النادي منذ إنشائه على تطوير فعالياته للإسهام في إثراء الحياة الثقافية والفكرية في عُمان وتعميق مساراتها وبلورة أطرها ومعالمها حيث تعددت مظاهر وأساليب حراك النادي على الخارطة الثقافية عن طريق تنظيم المحاضرات والندوات في كافة المجالات الثقافية والإبداعية والأدبية والعلمية والفنية والدينية والسياسية التي يشارك ويدعى إليها المثقفون والمفكرون والعلماء أو من خلال الندوات وحلقات النقاش التي تطرح وتناقش فيها القضايا وموضوعات متصلة بالمسيرة الثقافية المعاصرة، إضافة إلى عرض ومناقشة أحدث المنجزات في مجال الفكر والأدب.

وتأسس النادي عام 1983م، بموجب المرسوم السلطاني رقم (31/ 83)، بمسمى "النادي الجامعي"، تحت إشراف معالي وزير التربية والتعليم وشؤون الشباب آنذاك. وكانت أهدافه في حينه تقتصر على: توثيق الروابط الثقافية والاجتماعية بين الشباب العماني من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية المماثلة وغيرهم من الراغبين في الدرس والتحصيل وإن كانوا من غير حملة المؤهلات الجامعية. وتوفير المراجع والمؤلفات العلمية لأعضائه تشجيعاً لهم على الاستمرار في الدراسة والاستزادة من العلوم والمعرفة وتطوراتها في مجالاتها المختلفة. والتعاون مع الهيئات والمراكز العلمية والثقافية الأخرى داخل السلطنة وخارجها لرفع المستوى الفني والثقافي في السلطنة.

وفي عام 1986م تم تعديل مسمى النادي من "النادي الجامعي" إلى "النادي الثقافي"، بمقتضى المرسوم السلطاني رقم (42/ 86)، فيما استمر في أداء نشاطه طبقاً لنظامه الأساسي وكافة أحكامه المقررة بمقتضى مرسوم إنشائه.

وشهد النادي الثقافي عام 2008م تحولا جذريا في أهدافه ومسارات عمله، حيث صدر المرسوم السلطاني رقم (15/ 2008) القاضي بإعادة تنظيم النادي الثقافي، والذي أسند مهمة الإشراف عليه إلى وزير التراث والثقافة بدلًا من وزير التربية والتعليم. كما حدد المرسوم أهداف النادي الجديدة في الآتي:

توثيق الروابط الثقافية والاجتماعية بين المثقفين والمبدعين في مختلف المجالات الثقافية والفنية والمجالات الأخرى، ونشر الوعي الثقافي من خلال الأساليب والأدوات المناسبة ومنها إقامة الندوات والمحاضرات الثقافية بمقر النادي، ودعوة الأعضاء والجمهور بغية الاستفادة منها، وإقامة المعارض الفنية والأمسيات الثقافية أو المساهمة فيها بغية التعريف بالنتاجات الأدبية والفكرية للأعضاء والمثقفين، والتعاون والتنسيق مع مختلف الجهات المعنية والهيئات والمراكز العلمية داخل السلطنة أو خارجها لرفع المستوى الفني والثقافي في السلطنة، ودعوة المبدعين والمثقفين العرب وغيرهم في مختلف المجالات الفكرية والأدبية لإقامة المعارض الفنية أو المشاركة في أمسيات ثقافية ومحاضرات بمقر النادي.

النادي ومنذ نشأته يقوم بأعمال ثقافية جليلة تفوق قدراته المالية والتنظيمية، وقد تعاقب على رئاسته وإدارته جموع غفيرة من الشباب العُماني من المؤمنين برسالة النادي وأبلى كل فريق البلاء الحسن وفق ممكناته بل وفوق ممكناته في أحيان كثيرة.

النادي الثقافي ليس أملًا للثقافة ورمزًا من رموزها في سلطنتنا الحبيبة فحسب؛ بل معلم ثقافي ارتاده كل مثقفي العرب ومن العالم قاطبة منذ نشأته وأصبح خزين ذاكرة وفعاليات مؤثرة خلال العقود الأربعة الماضية. رغم قيام مفردات وروافد ثقافية أخرى في ربوع سلطنتنا الحبيبة هنا وهناك بجهود رسمية وأهلية، إلا أن رمزية النادي الثقافي تبقى خالدة كنواة تفرعت منها جميع هذه الأغصان المباركة لاحقًا وحاكت مهامه وهيكليته ورسالته بقدر الممكنات.

أنا هنا لا أناشد الجهات المختصة للنظر بعين الرعاية والاعتبار لهذا الرمز والمعلم الثقافي لتطويره ودعمه ورعايته بل أضم صوتي لأصوات الخيرين قبلي ممن كانت لهم رؤى وتصورات للنهوض بالنادي وتطويره ليواكب الزمن ويُلبي الحد المعقول من المسيرة الثقافية بسلطنتنا الحبيبة، فمازالت الفجوة كبيرة جدًا بين مهام النادي ورسالته وممكناته وخاصة المادية. فمقر النادي المحشور وسط حي سكني لم يعد يُلبي رسالته ولا يدعم فعالياته، وشُح الموارد المالية قيدت حركة النادي كثيرًا من أن يكون ثغرًا من ثغور عُمان المعرفية ويكون في مصاف نظرائه في أقطار الخليج والوطن العربي، كما إن بُعده الجغرافي في ظل التوسع العمراني للعاصمة مسقط جعل الكثير من مرتاديه السابقين يعزفون عن الحضور لممارسة الفعاليات والمناشط اليومية المتاحة من قبل النادي حين كان النادي بمثابة بيت آخر يرتاده المهتم والمعني بشكل يومي أو شبه يومي.

قبل اللقاء.. النادي الثقافي أنشئ ليبقى ويتسع ويتطور وما زالت الآمال الكبيرة معقودة على الحكومة أولًا وأخيرًا لتحقيق ذلك كونها الجهة الراعية والقادرة على تحقيق حلمنا ورؤيتنا لهذا الصرح وبمعزل عن أي مشروع ثقافي قادم لرمزيته وسبقه وريادته.

وبالشكر تدوم النعم.