د. مكي أم السعد
وقع 14 فصيلًا فلسطينيًا- تتقدمهم حركتا "حماس" و"فتح"- على "إعلان الجزائر" المنبثق عن مبادرة "لم شمل البيت الفلسطيني من أجل تحقيق الوحدة الوطنية" يوم 13 أكتوبر 2022، في قصر الأمم بنادي الصنوبر، بعد مساعٍ حثيثة لمدة سنة كاملة، وفي ذات القاعة التي شهدت قبل 40 عامًا تقريبًا الحدث الأبرز في تاريخ النضال الفلسطيني؛ وهو تحرير القضية والأرض والإعلان عن قيام دولة فلسطين على يد المرحوم ياسر عرفات (أبو عمار).
"إعلان الجزائر" لتوحيد فرقاء القضية الفلسطينية ليس الأول ولن يكون الأخير في سياق المتغيرات فقد سبقته اتفاقيات على مدار 15 سنة كاملة عاشتها مكة وصنعاء ودمشق والقاهرة وبيروت التي كانت في كل مرة تصطدم بآليات التنفيذ على أرض الواقع، والاختلافات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية نفسها، غير أنه يكاد يكون الأكثر اتجاها نحو إيجاد حل تسوية لترميم البيت الفلسطيني ورأب صدعه الداخلي.
هذا المؤشر الإيجابي الذي ظهر في إعلان الجزائر عبّر عنه عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح بقوله: "نحن في حالة انقسام في الساحة الفلسطينية منذ أكثر من 15 عاما وهذا أضعف القضية الفلسطينية وألحق الضرر بها". وهذا من شأنه أن يدفع بالفرقاء إلى احتواء بنود إعلان الجزائر الأساسية الـ9 التي تضمنها، وأهمها الوحدة الوطنية والمشاركة الجماعية لكل الأطياف والفصائل في صناعة القرار الفلسطيني مستقبلا؛ والذي يفترض أن تظهر ثماره عقب عام من هذا الإعلان في شكل انتخابات عامة تشريعية ورئاسية بفلسطين.
ونؤكد على ذلك خاصة بعد تعبير إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عن ارتياحه قائلًا: "نحن مرتاحون حيال لقاء الجزائر والذي خيمت عليه أجزاء من الإيجابية"؛ وهي الإيجابية الداخلية التي يحتاجها البيت الفلسطيني والشارع الذي لا يكف عن الانتفاضات.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أشرف على توقيع إعلان الجزائر المنبثق عن مبادرة لم الشمل الفلسطيني واعتبره "يومًا تاريخيًا"، وقال: "يصعب الكلام في مثل هذا الموقف الذي يأتي بعد قرابة 40 سنة من إعلان المجاهد الشهيد ياسر عرفات عن قيام الدولة الفلسطينية في نفس القاعة وتحت نفس السقف" (ملاحظة: إعلان الاستقلال تم بالجزائر يوم 15 نوفمبر 1988).
هذه الجهود الحثيثة سواء التي سبق الأشقاء العرب إلى بذلها على مدار 15 عامًا خلت انتهاء إلى إعلان الجزائر الذي اشتغل عليه فريق عمل لمدة سنة كاملة تحتاج إلى تثمين من قبل الفصائل الفلسطينية بالتوجه نحو تكريس مبادئ الوحدة الوطنية والمشاركة السياسية التي نص عليها الإعلان وتجسيدها في أرض الواقع بإتاحة آليات تحقق ذلك تبدأ بالانتخابات العامة وتمتد إلى الحفاظ على حدود الدولة.
يؤكد الإعلان ضمنيًا على ضرورة سعي الفصائل الفلسطينية إلى التمسك بكل المبادرات والقرارات الصادرة عن الهيئات الدولية وآخرها قرار المجلس التنفيذ لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو" وخلال دورتها 215 القاضي بالإجماع باعتبار جميع الإجراءات الصهيونية الرامية إلى تغيير طابع المدينة المقدسة ووضعها القانوني ملغاة وباطلة.
لذلك.. فإن مبادرة لم الشمل الفلسطيني الجزائرية تدعو الفصائل الفلسطينية إلى أن تتمسك بها وبما سبقها من مبادرات عربية ودولية ولسان حالها يقول: "يا فلسطين خذي إعلان الجزائر بقوة"؛ وفقا لإيمان راسخ وعقيدة ثابتة بأن فلسطين الشارع والقضية تحتاج فعلا إلى كل هذا اليقين وإلى قليل من تضحيات الفصائل الفرقاء.