مكتباتنا.. بلا زوار ولا قراء

 

سالم البادي (أبو معن)

 

في هذا المقال سوف نتطرق إلى موضوع بالغ الأهمية كونه تقف عنده أقوال العلماء والمفكرين والمثقفين والأدباء والباحثين وغيرهم، ألا وهو موضوع "المكتبات" بشتى أنواعها وأقسامها، ونركز على حلول مبتكرة ونفكر خارج الصندوق لإعادة نشاط المكتبات، لكي تؤدي رسالتها السامية وتقوم بدورها الريادي.

وإني لساعٍ مجتهد إلى إبراز الدور الحضاري والثقافي والتاريخي والمعرفي الذي تحققه "المكتبات" وإيجاد حلول ناجعة لها، كونها هي غذاء الروح والفكر.

لذة الأحشاء سويعات

ولذة المعرفة أبدية...

الأولى تقود إلى التراب..

والثانية تحلق في الفضاء..

 الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي يقول..

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله..

وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم..

 ورغم توفر المكتبات العامة والأهلية والتعليمية والأكاديمية والخاصة ورغم إقامة معرض الكتاب سنويًا، يُلاحظ الجميع ضعف الإقبال.. فما هي الأسباب؟

بطبيعة الحال لا يختلف اثنان على أهمية دور المكتبات في نشر المعارف الصحيحة السليمة ورفع معدلات التعليم والبحث العلمي والأكاديمي للمجتمع ككل ومهمة في نهضة الأمم؛ حيث تعتبر المكتبات روافد مهمة للثقافة والعلم والمعرفة، وعنوانا حقيقيا لتقدم الشعوب والحضارات. والعُمانيون كما يعلم القاصي والداني رواد علم وثقافة ومعرفة وحضارة، فقد اعتنوا واهتموا بتأليف الكتب والموسوعات العلمية والمعرفية في مختلف المجالات. والمكتبات هي مجمع للعلماء والمفكرين والمثقفين والأدباء والباحثين وطلاب العلم. وتعمل المكتبات على تحويل القراء لأشخاص مبدعين، ومفكرين ومبتكرين بل أغنياء بالعلم والمعرفة وعلماء.

قال الله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب).

ودائمًا ما يكون لعبق التاريخ رونقه وألقه ولكنه في أحيان كثيرة ليس بحد ذاته عامل جذب حاسم لزيارة المعالم السياحية، ولكن الحقيقة أن العديد من السياح يجذبهم التطوير والتحديث ومواكبة العصر. لذا فإنَّ الاهتمام بجمال وروعة طراز المعمار لأي معلم ثقافي وعلمي هو ما يجذب السياح بشكل كثيف ومن هذا المنطلق نجد أن كماً غفيراً من المكتبات يستحق الزيارة السياحية لروعة تصميمها المعماري وزخرفتها ورياشها الداخلية والخارجية.

هنا لا بُد أن نعرج على أهم المكتبات الأهلية التي تستحق منا الإشادة والتي أنشأت بجهود ذاتية وأهلية مشكورة من قبل أصحابها والمهتمين بها في سلطنة عُمان، ومنها مكتبة وقف الحمراء وهي أول مكتبة أهلية تضم أكثر من 12 ألف كتاب وألف شريط سمعي و500 شريط فيديو، ومرجعيتها التاريخية تعود إلى ثلاثة قرون.

"مكتبة دار الكتاب" أيضًا تعد أول مكتبة أهلية بمحافظة ظفار، افتتحها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- حينما كان وزيرًا للتراث والثقافة، وتقع المكتبة في قلب صلالة وكانت بدايتها قبل نحو 70 عامًا في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، وتم توسعة المكتبة بمحتوياتها والتي تجاوزت أعدادها 8000 كتاب.

وهناك مكتبة الشيخ محسن بن زهران العبري، وبدأ تكوين المكتبة في حياة الشيخ- رحمة الله عليه- في بيت الأدماني ثم بيت الغنيمة، ثم تم نقلها إلى منزله بالمنيزف في ولاية الحمراء وقد أوصى بالمكتبة قبيل وفاته لتكون وقفا عاما يستفيد منها كل باحث وقارئ ومحب للعلم من سلطنة عمان وخارجها، وتضم المكتبة بجانب المجلدات والمخطوطات متحفا تراثيا يحوي مئات القطع الأثرية التي تحكي تاريخ عمان منذ القدم، وقد عمل أحفاده واشتغلت الأجيال التالية من عائلته على إثراء المكتبة وتمويلها، وإغنائها بكل ما هو جديد من الإصدارات العمانية التاريخية.

وتوجد أيضًا مكتبات حكومية وعامة مثل: المكتبة الإسلامية ومكتبة جامعة السلطان قابوس والتي تهتم بتقديم الخدمة المرجعية لطلاب الجامعة، وتضم ما يزيد على 48000 مرجع وكتاب، و4000 دورية علمية، و6555 من التسجيلات الصوتية والمرئية، ومكتبة جامع السلطان قابوس الأكبر، فضلا عن وجود مكتبات متخصصة مثل مكتبة الأكاديمية السلطانية للإدارة.

لا شك أن وجود مكتبات ذات جودة معرفية وشاملة يقابله ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، ونهضة أمة قوية متسلحة.

أعز مكان في الدنى سرج سابح

وخير جليس في الأنام كتاب

وأظهرت الدراسات أنه عندما يتلقى الأطفال تعليمًا جيدا، فإنهم يتمتعون بفرص أكبر في الحياة العامة، مثل صحة أفضل، وفرص عمل أكبر، وزيادة المشاركة في العملية التنموية والسياسية. العالم يتجه إلى التركيز على تعزيز دور اقتصاد المعرفة في المجتمع، من خلال ضرورة توفر مصادر المعلومات وإمكانية الوصول إليها، والبنية التحتية التكنولوجية والبنية الأساسية كالسياسات والقوانين التي تضبط وتنظم عمل المكتبات، فضلاً عن تطوير نظم الابتكار في المكتبات من ناحية التقنيات.

وإليكم بعض الحلول المبتكرة لتنشيط حركة المكتبات لكي تواصل دورها المجتمعي:

  • استحداث هيئة عامة للمكتبات تلملم شعث المكتبات العامة والخاصة والأهلية وتشرف عليها وتعيد إليها قيمتها المعرفية.
  • الانطلاق بأفكار من خارج الصندوق، والبحث عن أساليب ناجعة مع المجتمع، فالمكتبات الناجعة هي التي تتخذ خطوات استباقية.
  • التفكير في مبادرات مبتكرة تساهم المكتبة فيها.
  • إيجاد ثقافة التفكير المجتمعي بين موظفي المكتبات والمتطوعين.
  • دعم استثمارات المكتبة التي تؤدي إلى تطوير المجتمع.
  • جعل مبنى المكتبة مركزًا مجتمعيًا.
  • إنشاء مواقع إلكترونية لتبادل الآراء، ووضع استراتيجيات العمل.
  • تحويل المكتبة إلى مكان اجتماعي يتيح فضاءات للتعلم وتعزيز المواطنة.
  • جمع البيانات لتبيان أثر المكتبات على الأفراد والمجتمعات أمر في غاية الأهمية.
  • جعل المكتبات مختبرًا للوظائف الحرة مثل "المتقاعدين".
  • جعل المكتبات تحصل على مصادر للدخل عن طريق فرض رسوم على الخدمات المميزة التي تتطلب المزيد من عمل أمناء المكتبات وتغذي احتياجات المستفيدين.
  • ترقية الذوق العام من خلال ضخ إصدارات جديدة ومفيدة ومبتكرة.
  • ربط المكتبات بشبكة معلوماتية حديثة.
  • جعل الدعم مستمرا للمكتبات من قبل الحكومة والقطاع الخاص ماديًا ومعنويًا.
  • رقابة ومتابعة واقع المكتبات الحالي وإيجاد حلول سريعة لمعالجتها.
  • توظيف التقنيات الحديثة والمحتوى الرقمي لتعزيز قدرة المكتبات على تقويم خدماتها المعرفية والاهتمام بالكتاب الإلكتروني.
  • التفاعل مع المحيط الإقليمي والدولي من خلال المشاركة الفاعلة في معارض الكتب الدولية والمناسبات الثقافية من أجل التعريف بالثقافة العمانية.
  • الاهتمام بثقافة الطفل بدعم مكتبات الأطفال وتطوير النشر الخاص بالأطفال.
  • توفير الفرص لترويج المشاريع البحثية ونشرها، وتحفيزها لإثراء تجارب الطلاب.

وفي الختام نقول.. لكل من أراد أن يضيء نور بلادنا سلطنة عُمان العزيزة ويستمر ضياؤها في الأفق ساطعًا على مر العصور، أن يسعى ويبذل كل ما يمكنه إلى تمكين دور المكتبات بشتى أنواعها وأقسامها لأنها نهضة الإنسانية ورقيها وسعادتها؛ فالريادة في الحفاظ على النتاج الفكري والإرث الشعبي والوطني، والتميز في بناء مجتمع معرفي قارئ.