ماذا لو كان مديرك روبوتًا؟

 

 

مؤيد الزعبي

هناك الكثير من المهام الصعبة والمُعقدة في البيئة العملية، ومسألة الإدارة سواء إدارة شركة أو مصنع أو مؤسسة ليس بالأمر السهل وتتطلب الكثير من الخبرات والمهجودات لإدارة هذا الكيان المؤسسي وتحقيق الأهداف سواء تحسين جودة العمل في المؤسسات العامة أو تحقيق الربح في الشركات الخاصة، فما الذي سيحصل لو دخلت الروبوتات هذا الميدان ووجدنا مديرا روبوتا؟ مسألة يصعب تخيلها لكن سنجدها يومًا ما في المستقبل.

من أكبر المعيقات التي يواجهها أي مدير هي عدم قدرته على التنسيق لمتابعة جميع أمور شركته أو مؤسسته بكافة تفاصيلها الصغيرة والكبيرة بنفسه، وحتى لو وضع رؤساء للأقسام وكانوا مسؤولين عن تقديم تقاريرهم إليه إلا أنه لن يقف على كل شاردة وواردة ويكون مطلعاً على كافة الأمور التي تدور حوله والوقوف على جميع المشاكل التي تواجه أقسام شركته، والصعوبة أيضًا في هذا الجانب هي كيفية تنسيق العمل داخل هذه الأقسام، ولكن عندما يصبح المدير روبوتًا لن تكون هذه المشكلة حاضرة ولا موجودة، فالروبوتات تستطيع القيام بمئات المهام في نفس الوقت وسيكون قادرًا على ربط جميع التقارير من مختلف الأقسام ببعضها البعض والقيام بتحليلات معقدة للوصول لنتائج دقيقة تمكنه من اتخاذ الإجراءات والقرارات الصحيحة وفي الوقت المناسب.

من أكثر المهام التي يمكن للروبوت المدير إدارتها بشكل فعال وبطريقة منهجية دقيقة مسألة إدارة المخاطر فبما أن المدير الروبوت لديه الإلمام بجميع التقارير سواء المبيعات وتقارير المخازن وشؤون الموظفين والحسابات ويمكنه الاطلاع على التقارير المؤسسية من شركات التحليلات المالية وقراءة التحركات الاقتصادية فيمكنه كل ذلك من إدارة ملف إدارة المخاطر بشكل صحيح والقدرة على مواجهة المخاطر حال حدوثها، وفي معظم الأحيان سيكون قد اتخذ إجراءات استباقية لمواجهة الأزمات والمخاطر وعدم الوصول لنقاط حرجة في هذا الشأن.

المدير الروبوت سيتعامل بشكل حيادي في قضايا شؤون الموظفين، فلن تحتاج لتطلب ترقية أو زيادة في الراتب، فمن خلال تقارير الأداء الوظيفي وتقارير الإنجاز سيكون المدير الروبوت قادرًا على اتخاذ قرار بترقيتك أو عدم ترقيتك، وبالمقابل ستضمن أن المدير الروبوت لن يكون لديه "شله" من الموظفين ممن يحبهم ويقوم بتفضيلهم على الآخرين فبالنسبة له جميع الموظفين سواسية، وكل ما يهمه هو تقارير الأداء والإنجاز، وفيما يخص شؤون الموظفين فالمدير الروبوت لن يملي عليك المهام خلال إجازتك فبالنسبة له أنت خارج الخدمة وسيكون الموظف البديل عنك هو المسؤول أمامه.

عندما يصبح المدير روبوتًا لن تكون مضطرًا لدراسة علم النفس ولا أن تكون خبيرًا في تحليل لغة الإشارة لكي تفهم أن مديرك في مزاج جيد يسمح لك بتقديم مطالبك أو حتى الموافقة على إجازتك، فهو يتعامل بلغة الأرقام لغة الحقائق ولن يكون لديه أية مشاكل شخصية أو شخصنة أي مسألة تخص العمل أو العمل داخل الشركة سواء معك أو مع غيرك، وأيضًا لن تكون مضطرًا لمجاملته على الطالعة والنازلة لتنال رضاه فهو لن يكترث لهذا أبدًا.

في دراسة أجرتها شركة «أوراكل»، بالتعاون مع «فيوتشر وركبليس» حول مكان العمل المستقبلي فقد ذكرت الدراسة التي شملت 8370 موظفًا في 10 دول أن 64% من الذين جرى استطلاع آرائهم أنهم يثقون في الروبوتات أكثر من مديريهم، وهذه نسبة كبيرة جدًا خصوصًا وأننا لم نكتشف بعد كيف ستكون بيئة العمل لو كان المدير روبوتًا، ولكن هؤلاء الذين كانت آراؤهم هكذا لا يعلمون أن المدير الروبوت سيقف لهم بالمرصاد أمام جميع ألاعيبهم وتهربهم الوظيفي وتأخرهم عن العمل أو عن تسليم المشاريع والتقارير، وسيواجههم بالحقائق في كل اجتماع، ولن يخجل من عرض أي معلومة حتى وإن كانت محرجة أو فيها إساءة لصورتك أمام زملائك، فهل نحن مستعدون لمثل هذه البيئة، أشك في ذلك.

المدير الروبوت لن يكون شغله الشاغل شؤون الموظفين فقط، بل سيركز على تحسين جودة المنتجات أو الخدمات ودراسة نقاط قوة المؤسسة ضمن المنافسين، وسيكون مهتمًا بالحملات التسويقية وما حققته من إضافة للشركة، وسيكون قادرًا على إدارة الحملات الإعلانية بكفاءة عالية بناء على تقارير المؤسسات البحثية واتجاهات المجتمع في أي بلد أو مدينة يتواجد فيها، وأيضًا المدير الروبوت سيكون معنيا بالمصاريف وبالتقارير المالية ودراسة تأثيرها على الخطط المستقبلية، ومن هذه الناحية أطمئن صديقي القارئ لن يتم تأخير الرواتب لكسب الوقت لمعالجة بعض الأزمات المالية فهذا آخر ما سيفكر فيه المدير الروبوت ولكن كن مستعدًا أن يتم الاستغناء عن خدماتك لو اكتشف هذا الروبوت أنه يمكن الاستغناء عنك ويُمكن تحويل مهامك الوظيفية إلى أشخاص غيرك لتقليل التكاليف.

في الحقيقة، المدير الروبوت سيكون منصفًا لك في الكثير من الأمور وفي المقابل لن يهتم لأي أسباب إنسانية أو نفسية أو اجتماعية إلا لو تطور ليتعامل مع مثل هذه الأمور، ولكن سيكون مفيدًا للشركات وللمؤسسات وسيدير هذه الكيانات بشكل أفضل لقدرته على القيام بالكثير من المهام والربط فيما بينها بطريقة منسقة ومنظمة وسريعة.

عندما يصبح المدير روبوتا أو نظام ذكاء اصطناعي، فلن تستطيع إيقافه عن ملاحقته إلا لو فصلت عنه الكهرباء ولكن احذر إن كان يعمل عبر السحابة الإلكترونية فحينها لن تستطيع فعل ذلك ولن يكون أمامك إلا أن تتعلم أساليب القرصنة الإلكترونية فحينها ستلعب في بياناته ومدخلاته لتكون المخرجات في صالحك، هذا جزء من المخاطر لوجود روبوت مدير فالأمر ليس سهلًا ولكن لن يكون مستحيلًا في قادم السنوات.