حمد بن سالم العلوي
لا أعرفُ إذا كانت وزارة الصحة تدرك أنَّ الأودية والجبال لا يسكنها البشر وحدهم، فمن غير البشر يسكن الجبال والأودية، الغوالة والثعابين والعقارب والأفاعي والدبابير بأنواعها، وكذلك النحل وغير ذلك الكثير من الحشرات والزواحف، وحتى السباع، إذن؛ فإنَّ الإنسان ملزم بالتعايش مع أضداده في هذه البيئة الجبلية أو الصحراوية، وكذلك ليس مطلوبًا من وزارة الصحة أن تلغي تلك الأضداد من البيئة، وإلا سنُخالف الحكمة الإلهية من التوازن البيئي في الحياة.
فالشاب سعيد بن محمد الخنبشي الذي قتلته لسعة دبيّة في الأسبوع الماضي، وهو من سكان قرية "عقيب" بولاية ضنك، وكان أقرب مركز صحي له هو ذلك الذي في بلدة قميرة، والمسافة بين قميرة وعقيب تقريبًا 10 كيلومترات، ومعظم الطريق مسفلت، وسعيد قد يكون أجله مكتوبًا في ذلك اليوم الذي توفي فيه.
ولكن سعيد لم يكن سعيدًا حتى يتلقى العناية الطبية كما كان يفترض، ومن الطبيعي أن نأسف على وفاته بهذه السرعة، ونحن ليس لنا اعتراض على- قضاء الله وقدره- وسعيد كان معروفًا من قبل وزارة الصحة، أن مناعته ضعيفة جدًا أمام لسعة الدبيّ، حتى إنه معطى من قبلهم أي "وزارة الصحة" بعض الحقن والإبر، ليحتفظ بها عنده لأجل سرعة الاستجابة في علاجه عند الضرورة، وطالما كانت هذه المعلومة متوفرة لديهم، كان ينبغي أن تكون استجابة المركز الصحي بقميرة سريعة، ففي مثل هذه الحالة، كان يكفي أن يتلقى المركز البلاغ بالهاتف، وأن يقوم أحد موظفي المركز بالانتقال إلى حيث يوجد المريض، ويكفي أن يركب الشخص المختص أقرب سيارة، ويذهب إلى حيث الشخص المصاب، ويقوم بحقنه بالمصل المضاد، خاصة وأنه موجود لدى الشخص نفسه.
لكن هذا لم يحدث، ونقل الشخص بالسيارة إلى المركز الصحي بقميرة، ولكنه كان مغلقًا، وكاد الناس أن يكسروا الباب من كثرة الطرق عليه، لعل أحدًا منهم يستجيب ويخرج لهم ليرى الخطب الجلل.
لا أحد يكابر القدر الإلهي في خلقه، ولكن قد أمرنا الله عز وجل أن نلجأ من قدر الله إلى قدر الله، فالموت حق وهو كذلك قدر مقدر، والحياة قدر مقدر، ومما أمرنا به الله، أن لا نسعى للموت، وألا نعتدي على النفس بأكثر مما تحتمل، وأن الذي يؤذي النفس أو يهمل الرعاية والعناية بها، يتوعده الله بالعقوبة المناسبة، وقد أوصى الإنسان بألا يلقي بنفسه في التهلكة، وأمرنا كذلك بالأخذ بالأسباب، وقد عمل الناس بما فيه استطاعتهم، ولكن للإنسان حدود لا يستطيع تجاوزها، كإعطاء الحقن مثلاً، وهو ليس له خبرة مسبقة في ذلك، إذن؛ وقف هذا الإنسان عاجزًا عن وقف حالة تدهور حالة هذا المصاب.
وأمام ذلك العجز، اقترح عليهم أحد أهالي بلدة قميرة نقل المصاب إلى مركز الفياض الصحي، وقد أخذ التسمم يسري في جسم المصاب، وتصل المسافة بين قميرة والفياض حوالي 50 كيلومترًا تقريبًا، فنقلوه في سيارة أحد المواطنين، إلا أنه وقبل أن يصلوا إلى بلدة الفياض بولاية البريمي، فارق الرجل الحياة، وفُقد إنسان نتيجة الإهمال وعدم تقدير الأمور بحق قدرها، وتيتّم أطفال وترملت زوجة خلال فترة وجيزة من الوقت.
أنَّ الأمر كان من الممكن معالجته.. والسيطرة عليه، لو كان هناك وسيلة اتصال بوزارة الصحة، فيفترض ألا يذهب الناس بتلك البساطة عن الحياة، فإذا كانت وكالات الفضاء تعالج روادها وهم خارج الغلاف الجوي للأرض، وهذا إنسان كان على كوكب الأرض نفسه، فلو كانت هناك وسيلة اتصال بين الناس ومركز الطوارئ بوزارة الصحة، وذلك في ظل طفرة الاتصالات الحديثة، لتم التمكن من تدارك مصاب مثل هذا، خاصة وأن الشخص كان حاملا الحقنة والإبرة في جيبه، ولتم إنقاذ حياته من الموت، فقد سبق وأن تدارك أمره في مرات سابقة، وأنقذت حياته بنفس الحقنة التي كانت معه.
نأمل أن تنشئ وزارة الصحة وسامًا باسم راشد بن عميرة، الطبيب العماني الفذ، كما فعلت ذلك وزارة الخارجية عندما أنشأت وسامًا باسم أحمد بن النعمان الكعبي، فليس مثل ظفرك حكَّ جلدك، وليس مثل الرعاية المعنوية، والحوافز المادية تتقدم بالبلد، وترفع من شأنه، وحالة الشاب سعيد هي واحدة من عشرات؛ بل ربما مئات الحالات في البلاد، إذن؛ يجب أن نعزز من الاهتمام بصحة الناس بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية، فالإنسان يظل إنسانًا بقيمه الإنسانية، معلوم عند ربِّ العباد بالرحمة والإنسانية، لقد وجدت من الضرورة أن لا تمر حالة سعيد مرور الكرام، وإنما أن تكون مرتكزًا لتفادي حوادث لاحقة.