الحصار على روسيا والعويل في أوروبا

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

مضى ما يُقارب سبعة أشهر على اشتعال الأزمة الأوكرانية بتاريخ 21 فبراير من العام الجاري، والمُلفت للنظر في هذه الأزمة هو تجييش الغرب للمعقول واللامعقول ضد روسيا في سابقة تاريخية لم يشهدها تاريخ الحروب بين البشر، فقد مورست البلطجة الغربية والفجور في الخصومة في أشد تجلياتها وأعلى درجاتها من قبل دول كان العالم يحسبها ويعدها في عداد القادة والكبار والعقلانيين.

أن يأتي رئيس الوزراء البولندي اليوم مُطالبًا بمصادرة الأموال الروسية المجمدة في المصارف الغربية وإنفاقها على شراء الطاقة للبلدان الأوروبية لهو تجل واضح لعودة العالم إلى حكم الغاب بكل تفاصيله وغياب تام لقواعد الأخلاق وقيم الإنسانية والقوانين والأعراف التي سنتها الإنسانية السوية لتقنين المظالم وتجنب الزلات والتخفيف من آثار الخصومات والكوارث وعلى رأسها الحروب.

المدنية الغربية اليوم ظهرت على حقيقتها دون تورية وفي وضع "نمر من ورق" في ظل العولمة التي أرادوها أداة لهيمنة ثقافتهم ومنتجاتهم وخدمة مصالحهم وديمومة طغيانهم، فقد بَانَ عوار هذه النمور الورقية والتي لم تكن سوى فزّاعات للشعوب المستضعفة على قاعدة "أسد عليَّ وفي الحروب نعامة"، فقد كان أولى بالغرب في ظل عولمته أن يعي ويُدرك أن العالم تشابكت فيه المصالح وتبادل المنافع بينه إلى درجة الذوبان والتداخل العضوي في الكثير من الأمور.

التصدع الاقتصادي الحاد والانهيار السريع في أوروبا من جراء العقوبات الروسية المضادة عليهم بشروط روسية لشراء الغاز الروسي ستلحقه تصدعات سياسية وأخلاقية حادة لشعوب وبلدان اعتادت على الترف لعقود طويلة خلت.

لم تتجاسر منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" يومًا على المجاهرة بالتعارض مع أمريكا والغرب بتخفيض مليوني برميل من إنتاجها النفطي يوميًا لما تراه بأنه يخدم مصالحها، ولم يتجاسر الأفارقة يومًا على فرنسا ويجهرون باستقلالهم الناقص ومطالبتهم بالاستقلال الكامل غير المنقوص كما هم اليوم، ولم يستشرِ اليسار المعادي للغرب ورأسماليته المتوحشة في أمريكا اللاتينية كما هو الحال اليوم.

المُراد من هذا الطرح الموجز والسريع هو التأكيد على أن الغرب جنى على نفسه بافتعال الحرب في أوكرانيا، والتي أعتقد أنه من خلالها سيروض روسيا تمهيدًا لإخضاعها لاحقًا، بينما ما زال الروس لغاية اليوم في موقع الدفاع عن النفس ولم يبدأوا بعد بخطة كسر العظم مع الغرب عبر تهديد مصالحه وكسر مفاصل قوته.

كل ما فعله الروس اليوم هو استخدام حقهم القانوني والطبيعي في اختيار تسعيرة منتجاتهم من الغاز المُصدَّر إلى أوروبا فقط ولم يهددوا بقطعه كما قطع الغرب كل شيء وأي شيء عن روسيا في تجلٍ صارخٍ لصراع القيم بين مجتمع أخلاقي يؤمن بقيم الصراع وفلسفته كالمجتمع الروسي، وبين مجتمعات جعلت القيم في ذيل اهتماماتها إن لم تكن خارج اهتماماتها أصلًا رغم تشدقها بالقيم والحقوق والعدالة!!

لن يجرؤ الغرب على التصعيد أكثر من هذا السقف مع روسيا؛ لأنه في وضع عسكري واقتصادي هش ويعيش حالة تاريخية استثنائية تجعله يراوح بين أن يكون أو لا يكون، وما لم ينبرِ العقلاء في الغرب بعمومه وفي أوروبا على وجه التحديد ليقودوا المسار ويصححوا غَي ساستهم للحفاظ على ما تبقى من مدنيتهم الهشة أصلًا فإن الزوال الكلي هو مصيرهم المحتوم كمن سبقهم من أقوام سادت ثم بادت فمنهم من طواهم النسيان ومنهم من أحتضنهم التاريخ.

قبل اللقاء.. تغرير الغرب بأوكرانيا لاستفزاز روسيا جعلهم كمن يحرق أطرافه بلا وعي!!

وبالشكر تدوم النعم.