قصة الفأر

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

 

يُحكى أن فأرًا بإحدى المدن المتحضرة، ولد وعاش في بيت فقير حتى كبر وأصبح في عمر يستطيع الاعتماد فيه على نفسه، لكنه يفشل دائمًا في اغتنام الفرص المتاحة له، وأصبح ينزع الطعام من أفواه زملائه الذين ثابروا في اقتناص الفرص للحصول عليه، تعلم هذا الفأر كثيرًا من أخطائه، لكنه يخاف الوقوع ضحية مصيدة أو مكيدة من أقرانه.

شكى أهله حاله لدى مسؤول كبير من أهل أبيه، يعرف بـ"قارض الأخضر واليابس"، وقد تعلم على يديه (دون علمه) كثيرون ممن لا تربطهم بهم أي صلة قرابة. ولأن الأولى هو هذا الفأر القريب؛ فقد تم تبنيه من قبل الفأر المسؤول حتى وصل إلى مكانة كبيرة لديه وقربه منه وأجاد قرض الأشياء المهمة؛ بل استفاد منه الفأر الكبير في قرض الملفات الشائكة، ولذا فقد أوصله إلى مكانة أعلى لأنه نجح في الامتحان الأخير. وبعد تدريبه على الهروب من المصائد الكثيرة، عينه في مكتبه ليكون قريبًا منه واستطاع في زمن قياسي قرض ملايين الأطعمة مما يقع تحت ناظريه ويستشعره بحواسه، وتزداد الكمية بين فترة وأخرى. خشي عليه المسؤول من التخمة، ولأنَّ هناك منافسون أشداء في المقابل؛ فقد بدأت الفئران الأخرى في التذمر والتساؤل عن قدرته غير المعهودة في التصرفات الأخيرة، إضافة إلى جسمه الذي بدأ في التمدد ولونه في التغير، ووضحت عليه التخمة بعد أن كان يبحث عن اللقمة من أفواه الناجحين.

وصل المسؤول الكبير سن التقاعد، وهنا انتبه هذا الفأر إلى قلة حصيلته من المعاونين، وهذا لن ينفعه في المرحلة القادمة، هذه النصيحة أسداها له قريبه المسؤول الذي قدمه لمجتمع الفئران الراقي لاحقًا، واكتسب معارف كثيرة من كبار المسؤولين والتجار، ثم بدأ في تعيين بعض المعاونين بعد تعيينه هو في منصب كبير، كان الفأر المسؤول قد أوصى له به.. وهكذا تدور الدائرة حتى قرض هذا الفأر كل الملفات الحيوية التي تخدم بني البشر.

وهكذا تتوالى الأحداث في المجتمعات المسالمة، وهكذا يستطيع البعض استغفال الجميع؛ فتتردى الأوضاع لتستغل بطريقة عجيبة لصالح فئات معينة يكون لها السبق في الكسب المادي، ولها السبق أيضًا في شقاء فئات أخرى. هذا الأمر لا يحدث في مجتمع بعينه؛ بل هو رهين بكل المجتمعات المادية في العالم، المجتمعات التي جعلت المادة هي المبدأ والأساس، وهي المرجع والملاذ.

سوف تتفشى في مجتمع وظيفي كهذا كل الموبقات، الغيبة والنميمة، الغش والتدليس، الخيانة والكذب، الغش والتحايل، التزوير والاحتيال، النصب والمكر....إلخ، أصبحت قصة الفأر رائجة في المجتمعات الوظيفية، والحقيقة أن هذه المجتمعات تعيش على التغافل وتحرص على التيقظ والتنبه أيضًا، تتغافل عن المبدعين وقليلي الثرثرة، وتشكك دائما في قدراتهم سعيا لتحطيمهم خطوة بخطوة، وفي نفس الوقت تحرص أيما حرص على اقتناص الفرص غير البريئة وحبك المؤامرات ضدهم بدافع المنفعة والمصلحة الشخصية.

هذا الأمر يؤثر على أداء المؤسسة وسرعة إنجاز المعاملات ووضوحها، وطريقة تفسير الضوابط بين موظف وآخر ليحق حق مراجع ويهضم حق آخر بنفس تلك الضوابط ويحدث ذلك أحياناً من نفس الموظف، فيما يسمى بالفهم الملتبس.

وجريًا على هذا المنوال ستكون المؤسسة بطيئة في إنجاز  المعاملات، وغير منظمة أو حيادية، وستستشري فيها المماطلة والتسويف، وعندها ليس غريبًا أن يقال لك: "عليك المراجعة بعد أسبوع" دون فهم الموضوع بكليته؛ إذ إن صلف الموظف وتعامله الرتيب مع كل المعاملات يفقد هذه المؤسسة أو تلك مصداقيتها لدى المستفيدين.

تعليق عبر الفيس بوك