صندوق توظيف الأجيال

 

 

 

سعيد بن محمد الجحفلي

لقد ساهمت الدِبلوماسيّة العُمانية الناجحة في إخماد العديد من النزاعات والحروب بين الدول، بعد أن عجزت عن حلها دول كبرى، وهذه الميزة حكمة ورثتها السياسة العُمانية من إرث الإمبراطورية التي أسسها سلاطين عُمان العِظام.

والحكمة هنا ليست مُقتصرة على حل الصراعات والصراعات الخارجية فحسب، بل قادرة أيضًا على حل ما يستعصي من أمور داخلية تخص المواطن ومعيشته اليومية، فأهم مشكلة أصبحت تؤرق المواطن العُماني حاليًا هي مشكلة الباحثين عن عمل، رغم وفرة مصادر دخل الدولة وتعددها، ولدينا ثقة وقناعة تامة بأنَّ الذي يستطيع حل المشاكل الدولية ونزاعات الحروب التي تحرق البيئة والإنسان، قادرٌ بحكمته وتكاتف كل القطاعات المدنية والعسكرية والقطاع الخاص أن يجد حلولًا مستدامة لأبناء هذا الشعب الكريم الذي يستحق أن يعيش معززًا في وطنه.

نعلم جميعًا أن الدولة ترصد مئات الملايين من الريالات سنويًا لتنفيذ المشاريع الإنمائية وتجويد البُنية التحتية على امتداد محافظات وولايات السلطنة، وهذه الخدمات كُلها نُفِذت لخدمة المواطن العُماني، لكن إذا كان أبناء المواطن أصبحوا يعانون من شح فرص العمل وضنك العيش في بلادهم، فما الجدوى من صرف تلك الملايين على تنفيذ المشاريع والخدمات مع وجود خلل في ترتيب منظومة الأولويات في التنمية! ولتحقيق التوازن بين تلك المفاهيم يجب أن نُوظّف مفهوم المرونة في مكانها الصحيح والتي تعني القدرة على خلق الأفكار الجديدة وغير التقليدية بما يُلائم المواقف الطارئة واستيعاب وجهات النظر المختلفة.

ولسبر أغوار الموضوع أكثر نستعرض بعض الحالات الحقيقية من واقع سوق العمل كما يلي:

الحالة الأولى: مواطن لديه نشاط تجاري في مجال المقاولات ويعمل معه عشرة عمال وبسبب التعثرات المالية لدى إحدى الشركات الكبيرة التي نفذ لها أعمالا إنشائية لم يستطع أن يحصل على مستحقات شركته وحاليًا موضوعه لدى المحاكم، وهذه أزمته الأولى التي يعاني منها. صدر قرار وزارة العمل بضرورة تحويل رواتب العمال عبر حساب الشركة ولعدم توفر مبالغ في حساب الشركة بدأت الغرامات تتراكم عليه بواقع 50 ريالًا كل شهر وهذا سبب له أزمة ثانية، والأزمة الثالثة هي غرامة 50 ريالًا كل شهر عن كل عامل إذا لم يحول راتبه حسب نظام حماية الأجور. وبهذا أصبح يعاني من 3 أزمات مركبة، وإذا تم إلزامه بتعيين مواطن عُماني، فإنه لن يستطيع أن يصرف راتبًا له بمبلغ 325 ريالًا مع اشتراك صندوق الحماية الاجتماعية، وهذا الحال ينطبق على آلاف الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

الحالة الثانية: امرأة عُمانية ربة منزل لديها محل ملابس في صلالة وأُجرة المحل كل شهر 350 ريالًا، تعمل عندها عاملة أجنبية براتب شهري عن الفترة الصباحية بمبلغ 150 ريالًا، ويخبرني زوجها أن مُعظم الشهور يدفع عنها جزءًا من التزامات المحل، لكنها تصر على الاستمرار؛ أملًا في تعويض خسارتها في مواسم الأعياد "الفطر والأضحى"، وتنتعش مبيعاتها في موسم الخريف فقط لذلك هي صابرة. كيف ستوظف مواطنة عُمانية وتوفر لها الراتب الشهري واشتراك صندوق الحماية الاجتماعية؟

هذه الحالات التي تمت الإشارة اليها أعلاه، صحيحة وموثقة ويوجد مثلها آلاف الحالات في سوق العمل.

وإذا استعرضنا حيثيات قرار وزارة العمل الأخير الذي يلزم أصحاب السجلات التجارية بتوظيف مواطن باحث عن عمل، أو عليه أن يدفع غرامات مالية!! فإنَّ القرار يجب أن يكون رشيدًا ومبنيًا على معلومات حديثة ودقيقة وشاملة.

يقول الدكتور غازي القصيبي- رحمه الله- في كتابه "حياة في الإدارة": "على متخذ القرار ألا يتخذ أي قرار إلا إذا اكتملت أمامه المعلومات"، وعلى القرار أن يستثمر الزيارات الميدانية المفاجئة أثناء العمل. وقال كذلك: "لا ينبغي للرئيس الإداري مهما كان تعلقه بالمؤسسة التي يرأسها أن يَخْتَلِقُ جدوى لا توجد، وأن يحرص على توسع لا ينفع"، هذه القرارات تُحقق مؤشرات سنوية فقط، بغض النظر عن أي تداعيات أخرى. وفي ذات السياق، دعونا نفكر بطريقة مختلفة لتحقيق نتائج مُستدامة، من خلال طرح بعض المقترحات والأفكار التي يمكن الاستئناس بها لحل مشكلة الباحثين عن عمل، وذلك عن طريق الإعلان عن مشروع وطني لتوظيف الأجيال تشارك فيه كل أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والقطاع الخاص وفقًا للمقترحات الآتية:

- إنشاء صندوق وطني باسم "الصندوق الوطني لتوظيف الأجيال" يُموِّل التوظيف، ويُصرف منه منحة للباحثين عن عمل والمسرحين، وتساهم فيه الدولة سنويًا بنسبة معينه من المبالغ، وكذلك شركات القطاع الخاص الكبيرة والبنوك التجارية بنسب تحدد وفق اللوائح الداخلية للصندوق.

- ترفع الدولة رسوم استخراج وتجديد السجلات التجارية وشهادات الانتساب لغرفة تجارة وصناعة عُمان، واستخراج وتجديد بطاقات العمال بكل فئاتها (عامل تجاري وخاص) وتجديد الجوازات والبطاقات الشخصية والمركبات بكل أنواعها بنسبة 3- 5% وهذه النسبة الزائدة فقط تحول مباشرة إلى حساب صندوق التوظيف الوطني للأجيال وبقية المبالغ إلى خزينة الدولة كالعادة.

- يُصرف مبلغ معونة شهرية 150 ريالًا لكل باحث عن عمل من الصندوق الوطني لتوظيف الأجيال، وتتوقف هذه المعونة إذا تعين الشخص في القطاع العام وتستمر معه إذا تعين في القطاع الخاص براتب الحد الأدنى للأجور 325 ريالًا كرافد ومحفز له.

- حصر الوظائف الفنية والمهنية، والوظائف الهندسية بكل أنواعها، والوظائف مالية بكل أنواعها، والوظائف المهنية المساعدة بكل أنواعها في الأجهزة المدنية والعسكرية والأمنية وشركات القطاع الخاص الكبيرة والبنوك التجارية التي يشغلها وافدون، والعمل على تأهيل كوادر وطنية باحثة عن عمل للإحلال بعد التدريب على رأس العمل في تلك القطاعات.

- حصر الوظائف الأكاديمية والفنية في المختبرات والمعامل العلمية في الجامعات الحكومية والخاصة والكليات التي يشغلها وافدون والإعلان عن وجود فرص لتدريب أصحاب المؤهلات والكفاءات على رأس العمل لإحلالهم في الوظائف الممكنة وبما لا يخل بالأداء الأكاديمي في تلك المؤسسات العلمية.

- تبسيط إجراءات جذب الاستثمارات الأجنبية لتكون مصدرًا لتوليد الوظائف للمواطن العُماني وتوطين التكنولوجيا والخبرات العلمية في البلد، بغض النظر عن الفوائد المالية المباشرة التي يتم تحصيلها.

- يتم اقتطاع ما بين ريال واحد إلى 5 ريالات شهريًا حسب المبلغ الذي يتقاضاه الشخص من كل موظف يعمل في القطاع العام والخاص ومنتسبي الأجهزة العسكرية والأمنية، والمتقاعدين وتحول إلى حساب الصندوق.

ولمقارنة زيادة نسبة الرسوم والاقتطاعات لصالح صندوق توظيف الاجيال ستكون قليلة جدًا، مقارنةً بما سيجنيه المواطن من منح مالية للباحثين عن عمل والمُسرَّحين وزيادة في توفير الوظائف لأبنائه.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة