حيدر بن عبدالرضا اللواتي
مع وفاة المرحوم العم مال الله بن علي بن حبيب اللواتي، قبل أيام، فقدت الساحة العُمانية أحد أبرز الدبلوماسيين العمانيين الذين ساهموا بقوة في المسيرة السياسية العمانية منذ بداية النهضة المباركة عام 1970، بجانب مُساهمته قبل ذلك في العمل الإداري الحكومي في بعض مؤسسات الدولة ومن ثمَّ بقصر العلم خلال حياة السلطان سعيد بن تيمور- رحمه الله-.
لقد ترك المرحوم مال اللواتي عدة بصمات على الجوانب التي عمل بها خاصة في المؤسسات السياسية والثقافية والاجتماعية، وكان له دور كبير على مستوى القبيلة أيضاً التي ينتمي إليها؛ حيث كان حريصًا وموجهًا لأبناء جلدته بضرورة المثابرة والعمل الجاد والاهتمام بالإنتاجية بجانب المشاركة في الفعاليات الوطنية والاهتمام بالدراسة والعلم والعمل مهما كان حجمه. وقد تشرفتُ بالعمل مع هذه الشخصية لبعض الوقت في المناسبات الثقافية عند ترؤسه لبعض اللجان لقبيلة اللواتيا بجانب أخينا حسن بن سعيد الرئيس السابق للنادي الأهلي؛ حيث عملتُ مع المرحوم لسنتين متتاليتين لتنظيم المناسبة الدينية بمسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بمطرح في مثل هذه الأوقات من السنة، والتي توافق مولد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حيث كان راعي تلك المناسبة الجليلة سماحة الشيخ أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي مُفتي عام السلطنة لإلقاء المحاضرة الدينية بالمسجد، وسط جمع من الأفراد ينتمون لجميع المذاهب الإسلامية المتواجدة في الولاية وخارجها. وكان يُشارك في مثل هذه الأمسيات شخصيات أخرى تُقدمّ ما لديها من أطروحات في تلك المناسبة العظيمة. وكان المرحوم حريصًا على متابعة البنود وبرامج تلك المناسبة، وكل ما يتعلق بالتنظيم. وكيف لا؟ وهو من الشخصيات التي تعلمت فن البروتوكول في الاستقبال والضيافة في قصر السلطان. ومن حرصه أنَّه كان يفضّل قراءة بعض النصوص للمُشاركين من أفراد القبيلة بحيث تصب أفكارها في نفس المُناسبة، وألا تكون هناك عبارات خارجة عن نطاقها، أو لها مدلولات أو تأولات ربما تسيء إلى مشاعر البعض من الحضور، وتكون غير مناسبة لطرحها في مثل هذه المناسبة السعيدة.
اتسمتْ هذه الشخصية بالتواضع وحب النَّاس، وتلبية دعوات الأفراد للمشاركة في أفراحهم وأتراحهم في مختلف المناسبات؛ الأمر الذي أعطى له احترامًا وسط أبناء القبيلة وغيرهم، بجانب ما كان يحظى به من تقدير واحترام وسط مُحيط عمله الرسمي داخل وخارج السلطنة، وبقي على حاله حتى بعد تقاعده من العمل؛ حيث كان يحرص على تواجده في مختلف المساجد لأداء الصلوات والتساؤل عن أحوال النَّاس.
تاريخ المرحوم "أبو علي" مليء بالكثير من الشواهد والمآثر، الأمر الذي يصعب علينا أن نعطي للشخص حقه من خلال هذه المقالة القصيرة، فهو من أبناء مطرح التي ما زالت تمثّل مركزًا تجاريًا حتى اليوم. ووُلِدَ في 10 ديسمبر عام 1926، وتربى على شاطئها وساحلها، وفقد والده وهو طفل صغير في السنة الثانية من عمره ليعيش يتيمًا، إلّا أنَّه منذ صغره كان شغوفًا بالعلم والتعلم من خلال الكتاتيب والمدارس الأهلية، ومن ثم الدراسة بالمدرسة السعيدية بمسقط؛ حيث حصل على الشهادة الابتدائية منها عام 1943 ميلادية. وكان ضمن أول دفعة تخرجت في هذه المدرسة العريقة، ومن ثم عمل في عدة محطات في الجمارك والخزينة ونظارة الشؤون الداخلية وتوجه لبعض الدول ليعود إلى مسقط مرة أخرى ويستلم العمل بقصر العلم. وبعد ذلك عمل في عدة وظائف في بعض الدول الخليجية وقنصليات وسفارات عُمانية عديدة منها بغداد وواشنطن ودلهي والقاهرة وطهران ولندن، وحمل الكثير من المهمات الدبلوماسية أثناء عمله في وزارة الخارجية ومن ثم بوزارة التراث والثقافة (سابقًا). وواجه في حياته العديد من التحديات والمواقف واستطاع من خلال حكمته ورؤيته وما كان يتمتع به من حكمة وعلم ودراية حل الإشكالات التي واجهها أثناء عمله.
لقد كانت أول محطة لعمله في العهد الزاهر للمرحوم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- في عام 1973، عندما عُيِّن مستشارًا بالسفارة العُمانية في واشنطن، ومن ثم قائمًا بالأعمال بالسفارة العُمانية في الهند عام 1974، إلّا أنه انتقل للقاهرة ليكون ثاني سفير للسلطنة وممثلًا للدولة في جامعة الدول العربية عام 1976. كما عمل سفيرًا للسلطنة بإيران عام 1977 في وقت حرج؛ حيث عاصر فترة سقوط شاه إيران، ونُقل عام 1979 ليُصبح رئيسًا للشؤون السياسية بوزارة الخارجية، ومن ثمَّ تمَّ تكليفه بالقيام بأعمال وكيل وزارة الخارجية بالوكالة. وفي عام 1980 تمَّ تعيينه مفوضًا لدى بريطانيا وسفيرًا غير مُقيم لعُمان في لوكسمبورج، ليعود عام 1982 إلى مسقط وينتقل عام 1983 إلى وزارة التراث القومي والثقافة (سابقًا) كوكيل للوزارة ثم مستشارًا لها عام 1986.
وسيرة المرحوم مال الله بن حبيب حافلة بالعطاء في الكثير من الجوانب؛ حيث أسهم المرحوم في إثراء المكتبة العُمانية بطرح عدد من الكتب العمانية حول تاريخ السلطنة ومساهمته في تقديم العديد من المحاضرات الثقافية والتاريخية، وطرح الأوراق العلمية في بعض المؤتمرات في الجامعات الأجنبية. وخلال عمله نال العديد من الأوسمة الدبلوماسية من مصر والجمهورية الإسلامية الإيرانية وبريطانيا، بجانب حصوله على وسام عُمان المدني من الدرجة الثالثة من المرحوم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه-.
إنَّ تأبين مثل هذه الشخصية يعني تكريمها ومسيرتها العلمية والعملية التي كانت كلها عطاء وإنجاز في خدمة المصالح الوطنية، فقد تمكن في حياته عام 2011 من إصدار كتاب بعنوان "مخضرم بين عهدين"؛ تناول فيه الكثير من الجوانب والتفاصيل التي لا نستطع سردها ونشرها في هذا المقال المختصر عنه. رحم الله أبا عليّ، فقد كان نبراسًا لبني قومه ووطنه في السراء والضراء.