صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد
نتساءل مُجرد تساؤل بريء بيننا وبين أنفسنا، حين يموت أحدٌ من أهلنا أو أصدقائنا: أين يذهبون حين يموتون وبماذا يشعرون؟!
بين وقت وآخر يأتينا خبر موت أشخاص نعرفهم كانوا معنا وحولنا، التقينا بهم وخرجنا معهم وعشنا بينهم. وقد يخطف الموت أي واحد منِّا في أي وقت، وقد يحل عليه مرض فيأتي بأجله، أو يصيبه داء سرطاني عضال يقضي عليه، أو يتعرَّض إلى حادث خطير يتسبب في وفاته. وأحيانًا قد يبدو الشخص بخير في غفلة من الموت، فيحدث له ما لا نُدركه فيؤدي إلى نهايته فيتلاشى غائبًا بعد أن كان حاضرًا بيننا. وقد ينام الشخص مساءً ليلقوه صباحًا ميتًا؛ لتختتم قصته ويتوقف مسار حياته ليوارى التراب، فلا يبقي ولا يذر. ومن يبحث في الأسباب يجد أنه تعددت الأسباب والموت واحد!
ونحن نعلم كمسلمين أنَّ من يتوفاه الله سيُحاسب على أعماله، والله وحده يعلم كيف يكون مصيره في الآخرة، وحسب كلمات الله التامات في محكم كتابه المبين فإما جنة وإما نار.
إنما التساؤل حول مرحلة ما بعد الموت مُباشرة، حين يلفظ الإنسان أنفاسه الأخيرة متحولًا من روح في جسد إلى روح تُغادر الجسد منفصلة عنه، فهل تكون روح الإنسان نفسها التي كانت في الحياة بمشاعرها وذكرياتها وسيرة حياتها المنقضية؟ أم مركز ذلك هو العقل والذي يموت بموت الجسد، فلا يبقى للروح ذاكرة أو إحساس بما ألفته وعرفته؟
الروح طوال حياة الإنسان مكانها الجسد، ولا تعرف مكانًا لها غيره، يصحيان معًا ويتحدثان معًا ويذهبان ويعودان معًا؛ ليعمل الجسد والروح كفريق واحد في الحياة لا يفترقان.
وقد يترُكك أي أحد في رحلة الحياة أو تتركه، إلا روحك تبقى طوال حياتك معك. وإذا بهذه الروح تُغادر الجسد بعد الموت منفصلة عن الجسد، ويقال إنها تصعد إلى السماء؟ لكن أي سماء؟! وإلى أين؟! ولماذا؟! وهل ستعاود النزول بعد الصعود، وأين يكون مسكنها؟! وهل ستلتقي هذه الروح بعد موت جسدها بأهلها وأصدقائها الهلاميين الذين سبقوها للعالم الآخر؟ وتعيش معهم وبينهم خلال "المرحلة البرزخية"؛ لتعويض ما فاتها معهم من لقاءات دنيوية، وتسعد بهم ويسعدوا بها حتى قيام الساعة الموعودة للقيامة؟ أم تبقى الروح وحيدة هائمة في البراري والقفار أو منزوية مُغيبة في قبرها إلى أن يأتي موعد حسابها؟!
لا إجابة، أو تختلف الإجابات، صادقة هي أم كاذبة.. لكن هل الإجابات مُهمة؟! فبالإجابات أو دون الإجابات ما سيحصل سيحصل.
وقد حصل فعلاً لمن توفوا قبلنا من أهلنا وأصدقائنا، وسيحصل لنا عاجلًا أو آجلًا لا مناص. والله هو مُدبر الكون، الرؤوف الرحيم، وحين خلقنا في هذه الدنيا كان لطيفًا بنا، فمنحنا النعم الحياتية بما يُعيننا لنستمر في الحياة دون حول منِّا أو قوة. وكذلك سيكون لطيفًا بنا في كنف الموت؛ فلنطمئن، ولنسعد بحياتنا دون وساوس تقض مضاجعنا، ولنترك من يخيفوننا إلى مخاوفهم، ولنتفاءل بالله خيرًا ولنُحسن به الظن في مماتنا.
وما نعرفه أننا ما زلنا على قيد الحياة نابضين بالحياة، نعيشها كما ينبغي أن تعاش، بروعتها وجمالها الذي وهبه الله لنا؛ فلنمشِ على الأرض هونًا، ولنكن في الحياة لطفاء بيننا مُتسامحين، خيرين، مُعتدلين، ولنعبد الله حق عبادته.