الرهاب الإداري

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

التخوف المرضي.. الرهاب أو عُصاب المَخاوف أو الفوبيا هو مرض نفسي يعرف بأنه خوف متواصل من مواقف أو نشاطات مُعينة عند حدوثها أو مجرد التفكير فيها أو أجسام معينة أو أشخاص عند رؤيتها أو التفكير فيها. وهذا الخوف الشديد والمتواصل يجعل الشخص المصاب عادة يعيش في ضيق وضجر لمعرفته بهذا النقص.

الرهاب أو التخوف المرضي معروف بأعراضه وأنواعه ومصنف بعلاجاته كذلك، ولكننا هنا سنتناول رهابًا آخر غير متداول كثيرًا على الصعيد الطبي، ولكنه مُصنف وفق علم الإدارة ويسمى بـ"الرهاب الإداري"، هذا الرهاب الذي يقتل الإبداع وروح المبادرة لدى الموظف ويرسخ البيروقراطية والروتين إلى درجة التناسل بين الأجيال؛ حيث تجد من مظاهر الرهاب الإداري غياب التجديد والابتكار وعبادة وتقديس الموروث. وهذه المعضلة تقودنا إلى ضرورة البحث عن تشخيص علمي وحل جذري للرهاب الإداري، ويكمن الحل في تأهيل القادة وتنمية روح القيادة لدى الفرد بما تحمله من نوازع تغيير وتطوير للمؤسسة وتخلق مناخًا عمليًا مثاليًا محاطًا بالتجديد والخلق والابتكار.

وثمة فارق بين القائد والمدير، فالقائد: يمتلك أفكارا رائعة ومتجددة قادر على تحقيقها مع فريق العمل التابع له، فهو لديه قدرة على جعلهم ينفذون ما يريد من خلال حبهم له ومرونته واقتناعهم به. أما المدير فلديه خطة عمل من رؤسائه مطلوب تنفيذها في وقت محدد، عن طريق متابعة فريق عمله، والتأكد من تأدية المطلوب بدقة.

والقائد قوي الشخصية يتولى المسؤولية يقود الناس بحبهم له وليس بفرض السيطرة. بينما المدير قوي السلطة يجعل الجميع ينفذون ما يُريد بالأوامر والسلطة الممنوحة له. والقائد يميل للتحدي والتخلص من الرتابة في العمل، كما يحب خرق القوانين بهدف الابتكار والتغيير وتنفيذ أفكاره وخططه للأفضل. في حين أن المدير لا يسعى للتجديد أو عرض أفكار يلتزم بقوانين وسياسة المكان الذي يعمل به فقط ويجعل الجميع يطبقونها ويلتزمون بها.

والقائد يميل الجميع لحبه لكونه يعمل بحب وانتماء، ورغبته في إحداث فرق. لكن المدير يتعامل باحترافية؛ حيث إنَّ همّه تنفيذ المطلوب بجودة وعدم التغيير لا يعنيه الحب. والقائد لديه رؤية مستقبلية من أجل التغيير ومولود قائد بالفطرة ويستطيع تعلم الإدارة. بينما المدير ينقسم إلى أنواع، وليس كونه يقوم بالتنفيذ فقط يجعل ذلك منه سيئًا بالعكس، يوجد مدير ناجح ومدير سيئ، ويجب معرفة المثال الناجح فبدونه لا يكتمل نجاح القائد والعمل.

هذه التعريفات في علم الإدارة كفيلة بتعليمنا ودلنا على معضلات إدارية كثيرة نراها يوميا أمامنا وقد لا نجد لها تعريفًا أو توصيفًا علميًا دقيقًا سوى بصمها وتوصيفها بمظاهر البيروقراطية والروتين دون السعي الى معرفة مخاطر تلك الظواهر على البلاد والعباد وعلى التنمية بمفهومها ومفرداتها الشاملة.

للأسف الشديد، أصبح الرهاب الإداري سمة لازمة في إدارتنا تقاوم كل تجديد أو تطوير بل وكل إبداع في مناحي التنمية، واليوم تمتد لتعطل الرؤى المستقبلية والخطط الخمسية والاستثمارات بأنواعها، الداخلية منها والخارجية.

آن الأوان أن نعي ونُدرك أن بقاء هذا الرهاب في إدارتنا دون تغيير أو مواجهة يهدد مستقبل الدولة ويعطل حيويتها وتطلعاتها إلى حد كبير ويجعل وتيرة التنمية فيها تنطلق من حيث انطلق الآخرون لا من حيث انتهوا.

قبل اللقاء.. إطلاق صفة "مُجيد" على الموظف ومكافأته عليها في سلطنتنا الحبيبة خلق جيلا إداريا بيروقراطيا مُستنسخا، مُصابا بكل أعراض الرهاب الإداري، وقتل روح المبادرة والإبداع لدى الموظف لأنها مكافأة للإجادة والاستنساخ لا للإبداع.

وبالشكر تدوم النعم.