كيف نجعل مسقط أذكى مدينة؟!

 

 

سالم البادي (أبو معن)

 

إقامة وإنشاء وتنظيم المشاريع يحتاج إلى أفكار وجهود ومبادرات في تنفيذها على أرض الواقع، وبطرق مبتكرة؛ حتى تصبح لدينا مشاريع ريادية متميزة، ومن خلالها نستطيع أن نواكب تطور وتقدم العالم الجديد.

والمشاريع الحديثة والمبتكرة- وتحديدًا المدن الذكية- تواكب تطور وحداثة وتقنيات العصر الحديث، لا سيما وأن فكرتها تختلف عن فكرة المشاريع التقليدية القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب. ووفق الخطط التنموية الاستراتيجية والرؤى والتطلعات لحكومتنا الرشيدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه، فإنها تهدف إلى الاستفادة من الأفكار المبتكرة الحديثة وتطبيقها في المشاريع الاقتصادية النوعية القادرة على إحداث نقلة نوعية وتنمية شاملة مستدامة، تنعكس إيجابًا على حياة المواطن العماني، وتوفر له فرص عمل وحياة كريمة. ومن هنا تنبع فكرة إنشاء المشاريع العقارية المبتكرة والمتجددة مثل "المدن الذكية"؛ لكي تصبح سببًا في إيجاد ظروفٍ متكاملة ليس من شأنها إنعاش السوق العقاري فحسب؛ بل يتعدى تأثيرها إلى جميع القطاعات الاستثمارية الأخرى.

وفكرة "المدن الذكية" تعد أحد أفضل الاستثمارات المربحة في عصرنا هذا، وتمثل العاصمة مسقط أرضًا خصبة وسوقًا بكرًا لهذا النوع من الاستثمارات، بفضل ما تتميز به من بنية أساسية متكاملة الخدمات، وبيئة صحية جيدة، فضلا عن أنها حاصلة على عدة جوائز إقليمية ودولية في التخطيط والطابع العمراني ونظافة المدن وبيئتها، ومن هنا أصبحت الحاجة ملحة لإقامة المدن الذكية الحديثة المبتكرة والتي تتوافر فيها كل سبل الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويزيدها روعة وجمالا وبريقا لامعا لتصبح من أفضل المدن العالمية الذكية.

مما تقدم.. يتعين علينا التفكير خارج الصندوق، والبحث عن أفضل الأفكار المحفزة والفريدة والمتميزة في مجال العقارات، ومنها المدن الذكية والتي تعتمد على التكنولوجيا بشكل كبير.

وبعد أن كان قطاع العقارات يترنح من أزمة لأخرى منذ عام 2014، وحتى بداية هذا العام، بدأ السوق العقاري يتعافى تدريجيًا ولو بوتيرة بطيئة، لكنه بالتأكيد أفضل من الركود الذي كان يخيم عليه سابقًا. وفي الوقت نفسه تسعى الحكومة الرشيدة إلى وقف النزيف الذي عانى منه القطاع العقاري من خلال تنويع مصادر الدخل الوطني وإيجاد حلول وأفكار مبتكرة وذكية في مجال المسكن الآمن للمواطن العماني.

إنَّ العالم مقبل على نقلة نوعية كبرى، وثورة معلوماتية أكثر تطورًا، ولا أحد يتوقع مداها، وتطورات ومتغيرات متسارعة خاصة فيما يتعلق بتخطيط المدن؛ حيث ستصبح المدن في الفترة المقبلة مدنًا مستدامة وذكية تتواءم مع المتغيرات العالمية الحديثة والمبتكرة.

والمدن الذكية هي المدن التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتقنيات المتطورة، وتعتمد على تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة وإدارة المخلفات، وتحسين الإسكان والرعاية الصحية، وتحسين بيئة السلامة، والكشف عن جودة الهواء، وتنبيه تقني أمني بالجرائم سواء بالمنزل أو بالشارع، فضلاً عن تحسين شبكات المياه والصرف الصحي وغيرها، فضلا عن أنها بيئة صحية مكتملة المعالم.

أيضًا.. تعتمد المدن الذكية المستدامة أساسا على البنية التحتية للاتصالات المستقرة والآمنة والموثوقة والقابلة للتشغيل البيني؛ لدعم الحجم الهائل من التطبيقات والخدمات القائمة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وبسبب الأزمات المتلاحقة ورفع سعر الفائدة وارتفاع أسعار مواد البناء وغيرها من الأسباب والظروف الاقتصادية والاجتماعية، ارتأينا وضع بعض الحلول والاقتراحات التي من شأنها أن تسهم في تسهيل إنشاء المدن الذكية وتنشيط قطاع التطوير العقاري، وهي بلا شك كفيلة بإنعاش قطاع الإنشاءات أيضًا، فضلًا عن توفير المسكن الآمن والملائم للمواطن، ومنها:

أولًا: إشراك صناديق التقاعد الحكومية في عملية بناء مدن حديثة وذكية؛ كونها مؤسسات لديها خبرات استثمارية وتجارية، فضلا عن توافر الكفاءات الوطنية العمانية لديها في مجال التطوير والاستثمار العقاري.

ثانيًا: لا بُد أن يكون لجهاز الاستثمار العماني موطأ قدم في رسم خارطة طريق للمدن الذكية والحديثة؛ كونه الذراع الاستثماري للحكومة، ويملك من الخبرات الدولية والتجارب العلمية والمهنية ذات الصلة بالاستثمار العقاري ما يساعده على بناء مدن ذكية كبيرة عالمية تنافس المدن العالمية الأخرى.

ثالثًا: السماح للقطاع الخاص بتشكيل "صناديق استثمارية" خاصة للمدن الذكية، لتصبح مساهمة في هذا القطاع وفق الشروط المطلوبة والإجراءات المتبعة في هذا الشأن من الجهات المعنية.

رابعًا: إعادة تأهيل وتخطيط المناطق والقرى والمخططات القديمة بمحافظة مسقط، بحيث تتحول إلى مدن ذكية وحديثة واستغلال المساحات المهجورة سنوات طويلة. وهذه المناطق بالتأكيد ستوفر الكثير من النفقات للحكومة؛ كون بنيتها الأساسية مكتملة، وتحتاج فقط لتهيئتها لإقامة المدن الذكية فيها.

خامسًا: يناط بالمجلس البلدي لمحافظة مسقط مسؤولية رسم خطط تنموية عمرانية واستراتيجية لتنظيم احتياجات العاصمة من مخططات جديدة للمدن الذكية، علاوة على الإشراف عليها ومتابعة التنفيذ.

سادسًا: إتاحة الفرصة أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في التطوير العقاري والإنشاءات بالمحافظة لإشراكها في إنشاء وإقامة مدن ذكية جديدة، مع رفدها وإعانتها بالخبرات، ودعمها ماديًا قدر المستطاع؛ لتكون قادرة على تحمل مسؤولياتها.

سابعًا: تحديث الأنظمة والتشريعات والقوانين العقارية الخاصة بإنشاء المدن الذكية لتحافظ على استقرار السوق، وضمان نموه وفق أفضل الممارسات والمعايير العالمية، وبما يضمن الحفاظ على الطابع العمراني وجودة الأعمال.

ثامنًا: تحديث وتغيير نسب البناء للبيوت، مع تطوير وتحديث خرائط البناء بطرق مبتكرة؛ بما لا يتعارض مع الطابع العمراني العماني، مع الابتعاد عن التقليد والتكرار.

تاسعًا: تحسين كفاءة الطاقة وتوفيرها، وتجهيز البنية الأساسية الذكية، وتهيئة الأمن السيبراني للحفاظ على الخصوصية والتصدي لأي اختراق للنظام الأمني للمدن الذكية.

عاشرًا: استحداث مادة علمية ومعرفية جديدة في مناهج وزارة التربية والتعليم أو برنامج علمي في الكليات والجامعات عن المدن الذكية، من أجل إيجاد مخرجات وطنية قادرة على تحويل المناطق الحضرية المزدهرة إلى أماكن ذكية ومستدامة.

لقد بات إنشاء مدن ذكية جديدة في العاصمة مسقط، وفي كل محافظات السلطنة، أمرًا حتميًا، لكي نواكب تطور وحداثة العالم، ونعمل على توفير فرص عمل للشباب، فضلًا عن إنعاش قطاعي العقارات والإنشاءات، علاوة على الحد من التكدس السكاني في مناطق بعينها، والقضاء على المخططات العشوائية والمهجورة والقديمة، والحد من الازدحام المروري خاصة في المدن الرئيسية.

إنَّنا نحث جميع المستثمرين والمطورين العقاريين وأصحاب رؤوس الأموال على إنشاء مثل هذه المشاريع المبتكرة والتوسع فيها؛ إذ إنها توفر فرصًا اقتصادية آمنة ومربحة، خصوصًا مع وجود قاعدة متينة من التشريعات التي تحفظ الحقوق، وإجراءات حكومية ميسرة وسهلة ومحفزة للاستثمار.

** عضو الجمعية العقارية العمانية