التسريح بقرار رسمي

 

علي بن سالم الراشدي

 

كان قرار إلغاء الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص وتحديده بمبلغ 325 ريالًا دون ربطه بالمؤهل الدراسي الجائزة الكبرى التي هبطت من السماء على شركات ومؤسسات القطاع الخاص- الغارق أغلبه في أتون ما يعرف بـ"التجارة المستترة" والتي يكون الاسم الخارجي فيها للمواطن، بينما داخل الشركة للوافد- فكان هذا القرار إضافة إلى جائحة كورونا وما صاحبها من إغلاقات وراء أكبر خفض في معدلات التعمين بهذا القطاع؛ حيث سُرِّح المئات ليعاد التفاوض معهم مرة أخرى براتب جديد، مع أن الكثير منهم أمضى سنوات طوال يعمل، ورغم ذلك لم يشفع له ذلك؛ فالأمر يتعلق بالمال.

لقد وفّر هذا القرار الأرضية القانونية التي كان ينتظرها الكثير من المتحايلين على التعمين والذين يرون فيه كلفة، بينما تشرع الأبواب للوافدين من خارج الحدود. وإذا كان هدف القرار من وجهة نظر واضعه، تشجيع الشركات على التوظيف مع نزول راتب الجامعي إلى النصف مُقارنة بالوضع السابق وفتح المجال لعشرات الآلاف من المنتظرين، فما حدث هو العكس، فقد زاد الطين بلة وخلق مشكلة أخرى وهي تسريح العاملين أصحاب الخبرات علاوة على رفض الكثير من طالبي العمل القبول بهذا الراتب المتدني في ظل ارتفاع المعيشة يوميًا.

لقد أوجد هذا القرار الكثير من الألم لمئات المُسرّحين الذين تقطعت بهم السبل ووجدوا أنفسهم وبدون مقدمات ينضمون إلى طوابير الباحثين عن عمل وأمل، كما حطّم أحلام عشرات آلاف آخرين كانوا يحلمون بالاستقرار والعمل؛ فراتب 325 ريالًا لن يؤسس أسرة ولن يفتح بيتًا، كما أرسل رسالة واضحة بأن الشهادة ليست معيارًا للنجاح وللبحث عن حياة أفضل؛ فالجامعي مثل خريج الدبلوم العام.

الحل الوحيد والمطلوب بسرعة هو إلغاء هذا القرار والعودة مرة أخرى إلى النظام المعمول به سابقًا والذي حدد الراتب على حسب المؤهل الجامعي؛ فالمؤكد ومن تجارب سابقة أن شركات ومؤسسات هذا القطاع لن تتجاوب مع كل ما قُدِّم لها خلال 50 عامًا من دعم وامتيازات لتتحول إلى شريك مع الحكومة في التوظيف، بقدر حرصها فقط على استغلال المتوفر والتهرب والالتفاف على أي قرار يستهدف احتواء أبناء هذا الوطن وإشراكهم بالعمل في قطاع يستضيف مئات الآلاف من الوافدين لكنه يعجز عن توظيف 100 ألف مواطن فقط!

باختصار.. إذا كانت وزارة العمل جادة فعلا في ملف التوطين، عليها أن تلغي هذا القرار مباشرة لصالح الوطن وأبنائه، فالمؤكد أن الحلول المؤقتة لن تحل أزمة هذا الملف؛ بل المكاشفة والمواجهة والإحلال هو الحل، فهناك أعداد كبيرة من العمال الآسيويين- تحديدًا- يحتلون كافة مواقع العمل ويحتكرون التجارة بمختلف أنواعها، ومعالجة هذا الوضع لن يكون إلا بحلول حقيقية على الأرض تعالج خللًا غريبًا حان الوقت أن يُعالج؛ فالعماني الذي جاب بحار الدنيا وعمّر بلدان العالم، قادر على أن يمارس هذا الدور.. فقط امنحوهم الفرصة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة