من يستحق المنصب؟

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

اختلف الناس وما زالوا في مسألة الأفضلية في من يستحق المنصب المرموق والكرسي والمسؤولية المهمة والحساسة، ففي هذا الجانب نجد ناسا بعينهم في وظائف ومناصب محددة يتوارثونها أبًا عن جدٍ، منذ زمن طويل، ولا تجد غيرهم فيها، ولا يجوز أن يكون فيها إلا هُم، وبدأت تتدخل عوامل غير تلك القائمة على معايير المهنية والكفاءة.

وفي تبيان من الأحق بالمنصب والكرسي والوظيفة المرموقة، فقد يقول قائل إن صاحب الشهادة والدرجة العلمية هو المستحق، وقد يقول آخر إن صاحب الخبرة أحق، وفريق يقول إنَّ الأمين صاحب الأخلاق هو الأحق، وفريق يدلل على أن صاحب القدرات العملية والعلمية هو الأحق، وهناك من يقول إن صاحب الخدمة الطويلة والسلوك الحسن أحق، وحتى السلوك الحسن نفسه. لكن ما المعايير الحقيقية وعلى ماذا تُبنى؟ هل يبنى الاختيار على سلوك الإنسان في عمله فقط، أم يُبنى على سلوكه في مجتمعه وفي بيته، أم يبنى على سلوكه مع ربه تعالى وتعامله مع عامة الناس؟!

هناك زمرة من الناس يقولون نحن الأحق بالمنصب وتلك الوظيفة العالية، لأننا من البيت الفلاني والعلاني، ولأن آباءنا وأجدادنا كانوا فيها وعليها وبها، ولأننا نحن من الأصل والفصل والحسب والنسب والجمع ذاك، وأن أهلنا كانوا منذ القرون الأولى في الصفوف الأمامية، أثناء الدفاع عن ثغور الوطن، وكانوا وكانوا وكانوا إلى آخر هذا الكلام.

وحقيقة أتساءل: هل الناس الآخرون لو قدر لهم أن يكونوا في تلك المرحلة وفي تلك المواقف، ألن يكونوا مجيدين، أو هل سيتخاذلون أو سيتقاعسون عن خدمة الأرض والمكان ونصرة الحق، وعن أن يكونوا في المقدمة درعًا منيعًا عن المقدسات والمقدرات والمكاسب؟!

وتمعنًا فيما سبق، نجد أنه لا يوجد أحد اختار أصله وفصله وحسبه ونسبه ولونه وعائلته ووالديه، كي يعتقد أن منصبًا ما من حقه هو وحده، فالمعروف أننا جميعنا ولدنا ووجدنا أمنا هذه وأبانا ذاك، فليس الفتى من قال كان أبي، ولكن الفتى من قال ها أنا!!

إن أؤلئك الناس الذين يتفاخرون بأجدادهم وآبائهم أنهم كانوا كذا وكذا وكذا، إنما هم أوجدهم المولى عز وجل في فترة من الفترات دون تدخل منهم، فرتبت لهم الظروف والأوضاع من لدن ربنا جلَّ في علاه لتخدمهم، وقِس على ذلك سائر النعم. إذن ما كانوا فيه هو توفيق من الله تعالى لهم.

وإذا أردنا تعريف الكفاءة العملية فإنه قد نختلف في ذلك ولا نتفق مطلقًا، لأن الذي أصبح كفءًا في عمله، لا بُد أنه توافرت له عوامل عديدة، بعض منها ليس له هو دخل فيها أبدًا، وإنما هو تدبير وتقدير وترتيب وتوفيق الله سبحانه وتعالى له، وليس بحوله وقوته هو. والذي أطلق عليه وصف الكفء في عمله ومُنح على هذا الأساس منصبًا، نجد أنه قد تهيأت له أيضًا أسباب كثيرة، جزء كبير منها ليس له دخل فيها، ومن تلك الأسباب على سبيل المثال للحصر: الأسرة التي عاش فيها، ونمطها ومستواها واستقرارها ووضعها الأسري والمالي والاجتماعي، وحتى ما آلت إليه الأسرة، ليس بحولها وقوة أفرادها، وإنما أيضا من ترتيب الله تعالى.

كذلك الشخص إذا كان مسؤولًا لابُد من وجود فريق عمل خلفه، عمل في الكواليس حتى تحقق الإنجاز، وبالتالي أطلق عليه وصف كفء في عمله، كذلك الذي مثلا حقق في دوراته التي يبتعث لها المراكز الأولى، هل هو فعلا يستحق أن نقول إنه ذو كفاءة عملية بمجرد أن يحقق المراكز الأولى في دوراته، والذي يكون في دوامه أولا، وآخر من ينصرف عنه، هل هو أيضا كُفء؟ ثم هل الكفاءة ينبغي أن تكون في أوجه حياتية وإنسانية كثيرة، أم أنها تقتصر على العمل وتحقيق مراكز متقدمة فيه؟

بالنظر إلى ما تقدم، نجد أشخاصًا يقال عنهم أنهم أكفاء في أعمالهم، ولهذا حصلوا على مناصب بعينها، لكن في المقابل قد يكون فاشلًا في علاقاته الاجتماعية والأسرية، فضلاً عن أنه في العمل والمجتمع إنسان متسلط ومغرور ويرى نفسه فوق الجميع.

الكفاءة التي أُلصقت بإنسان ما ربما تحققت على حساب تقصير وإخلال في الواجبات والحقوق والمهام الضرورية تجاه الآخرين في عائلته ومجتمعه.

وعلاوة على ما تقدم ذكره، نتساءل هل المعيار في الكفاءة الاعتداد بالحضور مبكرًا والانصراف متأخرًا من العمل، بينما تنعدم الصفات الحميدة الأخرى؟!

إنّ الوطن بحاجة إلى سواعد الجميع من مختلف الطبقات والألوان، ويجب أن يكون المعيار الحقيقي التمتع بأخلاق عالية وبالإنسانية مع الصغير والكبير والفقير والضعيف والمحتاج، وأن يكون الشخص أو الموظف متعاونًا وخدومًا ومتواضعًا ومحترمًا ومقدرًا للجميع.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة