علي بن بدر البوسعيدي
خلال الفترة الماضية- وتحديدًا بعد أسابيع من بدء الحرب الروسية في أوكرانيا- كثر الحديث حول بدء تشكُّل عالم جديد يُنهي النظام الأحادي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانهيار معظم اقتصادات أوروبا، لولا "خطة مارشال" التي قادتها أمريكا آنذاك.
ورغم أنَّ الحديث عن عالم جديد ليس وليد اللحظة، وتحدث الكثيرون عنه قبل عقود، إلا أنه ولأول مرة تتزامن الكثير من الظرفيات التاريخية والسياسية والاستراتيجية والعسكرية في آنٍ واحدٍ، فتنامي القوة العسكرية الروسية وتفوقها خلال العملية العسكرية التي تنفذها موسكو في أوكرانيا، إلى جانب عدم تأثر مجريات الحرب بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على الدب الروسي، وكذلك تمكن روسيا من بيع سلعتها الاستراتيجية الأولى وهي الغاز الطبيعي بأثمان كبيرة، واستخدامها كورقة ضغط رابحة في علاقاتها مع أوروبا، كل هذه العوامل منحت روسيا موضعًا جديدًا في النظام العالمي، ما أعاد للأذهان الثنائية القطبية وربما الثلاثية أو حتى عالم مُتعدد الأقطاب. وهنا أتحدث عن دولة كبيرة مثل الصين، تملك نفوذًا عالميًا رغم العقوبات المفروضة عليها والتضييق الذي تمارسه أمريكا ضدها في مختلف الأسواق. والصين إلى جانب روسيا تشكلان قوة مضادة للقوة والهيمنة الأمريكية على القرار العالمي، وقد تجلت هذه الشراكة الروسية الصينية في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تضم في عضويتها دولا من المجموعة الأوراسية، أي الدول التي تقع بين آسيا وأوروبا، وتتخذ هذه المنظمة من بكين عاصمة الصين مقرًا لها، وتضم في عضويتها إلى جانب الصين، كلا من الهند وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان، بجانب كل من أفغانستان وبيلاروسيا وإيران ومنغوليا بصفة "مراقب"، إضافة إلى أرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسريلانكا وتركيا بصفتهم "شركاء الحوار".. إذن نحن أمام منظمة عملاقة، تضم 19 دولة حتى الآن، مهما اختلفت مسميات العضوية أو الانتساب، وهناك دول عربية تسعى كذلك للانضمام منها مصر والسعودية وقطر، وكل ذلك يؤكد أن العالم الجديد بالفعل تتشكل ملامحه، حتى ولو كان على نحو متدرج وغير مُتسارع.
إنَّ تعدد الأقطاب والقوى العظمى في العالم، يصب في مصلحة مختلف الدول؛ إذ لا ينبغي أن تستحوذ دولة واحدة على كل أوراق اللعبة العالمية، ومنظمة شنغهاي نموذج مصغّر لما يمكن أن يكون عليه العالم الجديد، عندئذٍ ستنهار المؤسسات الدولية القائمة على التبعية للدولة العظمى الوحيدة، وستتفكك المنظومة الرأسمالية القائمة على استنزاف خيرات الشعوب والدول النامية، وسيزدهر العالم، رغم ما يمكن أن تشكله تلك التعددية من مخاطر.