استيطان الثقافة وفنونها (5)

 

ثقافةُ طعامٍ (1)

وداد الإسطنبولي

أُلقي الضوءَ هُنا على موروثٍ يُعَدُّ من "الفلكلور" الشعبي الذي ينعكس على عادات الشعوب وثقافاتها على مَرِّ العصور، وهو ثقافةُ الطعام وإن لم يكن لدينا مطبخٌ مَعْنِيٌّ بأكلاتنا، ولكن هناك وجبةٌ اختصت بنا، وأصبحت من الوجبات الشهيرة التي ترتبط بمناسباتنا السعيدة كالأفراح والأعياد، وربما بالأحزان أيضًا.

يُعد التجمع على هذه الوجبة الدسمة سببًا لتَبَدُّدِ فتور العلاقة، ومصدرًا للألفة والفرح عند تناولها، وجبةٌ جُلِبَتْ إلينا منذُ قديم الزمان من أفريقيا، ووصلت إلى شبه الجزيرة العربية بشكل عام؛ فشاركتنا فيها عدة أقطار، منها: المملكة العربية السعودية، واليمن وغيرها من الأقطار التي رُبما تشابهت في المُسمَّى، ولكن اختلفت في طريقة التحضير والمكونات.

"العصيدة"

تتكون من طحين الذُّرة، وهو متعارف عليه باسم " البيمبي"، وطحين "المسيبلي"، والزيت، والسكر، والطحين، والسمن.

أدواتها: المنحاز، والرحى، وهي أدواتٌ اُستجلبت من أفريقيا أيضًا.

يقوم المنحاز بدَقِّ هذه الذرة دقًّا شديدًا، وثُمَّ توضع على الرحى لتُطْحَن، وقد سُمِّيَتْ الذرة الصغيرة بالبيمبي؛ للتفرقة بينها وبين الذرة الكبيرة.

والعصيدة من الوجبات الصحية إنْ لم نُفْرِطْ في تناولها، وكما تقول جداتُنا إنَّها تشدُّ الظهرَ، وتُقوِّي صلابته؛ فهي تُخلط بالماء والزيت والسكر، ثُمَّ تُضْرَبُ جيدًا، وكُلما ثَقُلَتْ تُرَشُّ بالماء قليلًا إلى أن تستعيدَ قوامَها، وتُصبحَ سلسةً وسهلةَ المذاقِ، وتُأكل بالسمن البلدي، لا إضافات فيها ولا نكهات سوى ما يقوم به البعض من قليٍّ للطحين حتى يتصبغ بلون السمار فقط.

وهناك بعض المناطق في شبه الجزيرة العربية يضيفون إليها ماء التمر، إذ يقومون بعصره، ثُمَّ يضيفونه أثناء الطبخ.

أطعمتنا الشعبية اكتسبت مكانة مميزة بين الشعوب، ولكن يقتضي منا الاعتدال وتجنب الإفراط. وهذا دليل على أهمية الطعام الصحي للإنسان حيث قال الطبيب والمفكر أبقراط: "دوامك في غذائك".