يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر بغير منكر" ابن القيم.
-------
حاجات الدنيا ومآلاتها قد تبرر جانبا من النفاق على اعتبار أن الجوع كافر، وأن لكل شيء ثمن، والعذر من صاحب الحاجة مقبول عند الكرام، هنا أتحدث عن الحاجة الملحة، والحاجة ولا شك تبعد بعدا شاسعا عن الكماليات، والكماليات أي الأشياء اللا ضرورية وغير المؤثرة في تسيير الحياة لكنها كالأباجورة المصنوعة من معدن ثمين لغرض ترك انطباع معين، وهذا معروف ولا نقاش حوله.
وهناك أذكياء يتخلون عن الذكاء بإرادتهم ويتبعون أغبياء- أو بالأحرى- منافقين وصوليين، عندما يصل الإنسان لعمر مُعين قل فوق الأربعين ويكون وقتها جرب مسافات الحياة من نجاح أو فشل، صعودا أو سقوطا، فرحا أم حزنا، راحة أم تعبا، ثقة أو خيبة أمل، وفي هذا العمر تحديداً أي الأربعين لم يعد لديه عذر فقد استنفذ الخبرة المعقولة، وحتى الله عز وجل قال عن الإنسان في عمر الأربعين: "حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً" (الأحقاف: 15).
ليس عيبًا ألا تحمل مؤهلًا علميًا أو تحظى بمنصب معتبر أو حتى اسم لامع، ولاعذر لك في عدم تطوير نفسك، اقرأ ما تيسر من أنواع القراءات المتاحة مجانًا عبر فضاء الإنترنت، القراءة تقوي مداركك لا تقل إنني تقاعدت أو أن قطار الزمن فات، أو أيًا من الأعذار المعلبة التي لا تعبر إلا عن فشل ذريع في إدارة النفس، هذه النفس التي يتعوذ منها العقلاء أو الأمارة بالسوء.
هناك فهم عام للحالة العامة ولايحتاج الفهم أن تكون حاصلا على شهادة عالية، فمثلا ما رأيك في من يبيع الماء في حارة السقايين؟ (طبعا أوردت المثل باللهجة كون المعلومة قد تصل أسهل).
تخيل أن من الأمور التي لا أعلم أهي مضحكة أو مبكية، أنه في إحدى الدول المسلمة والتي يدين شعبها بالإسلام وتقريبا عدد مساجدها لو تحسبها بنسبة وتناسب تجد عددها الأكثر عددا في العالم الإسلامي، ويضرب بهذه البلاد وشعبها المثل الأعلى في تبرعات الخير ربما على مستوى العالم وليس الإسلامي فحسب، وازيدك من الشعر بيتا قد تكون هي الدولة الأشد عالمياً في محاربة الخمور وكل ما فيه ما يضاد الدين، ثم تحصل انتخابات عامة برلمانية، فيقوم مجموعة لا أعلم من هم فيكتبون وثيقة للقيم تحث على التمسك بالتعاليم الإسلامية وتدور بها بين المرشحين للتوقيع عليها وتبنيها، وهنا تبدأ المزايدات الرخيصة، فهل تعتقد أن مرشحا لا قيم له ولا مبدأ سيرفض أو يناقش مغزى هذه الوثيقة؟ بل سيوقعها وهو لم يقرأها، فالغاية تبرر الوسيلة، أصلا هذا المرشح لو تقدم له وثيقة تنظيم سوق الغنم سيوقع عليها، انتبه معي إن كانت الأمور مجرد توقيع ولا رقابة بعدها فأهلا بالتوقيعات المجانية بل والتصوير مع الورقة الميمونة وعرض هذا التصوير بوسائل التواصل. أما من يُناقش هذه الورقة ولايتفق مع طريقة عرضها فهو العلماني الليبرالي الذي يحارب الدين وأهله وهو الذي يؤيد تغريب المجتمع وهات من الاتهامات التي ما أنزل الله بها من سلطان!
ولعل أهم بند في الوثيقة والذي قد يُبين بقية بنودها هو البند الأخير إذ كتب فيه صراحة: فتح خط ساخن مع معدي الوثيقة ليتواصلوا معه أولا بأول فيما يتعلق بالمخالفات الشرعية والأخلاقية!
هل تعلم ما معنى ذلك؟ أن يكون الموقع متواصلا أولا بأول مع معدي الوثيقة، طيب من الذي سيفسر المخالفة إن كانت شرعية أم لا، وحسب أي رأي سيذهب الأمر، وهل سيكون رأي معدي الوثيقة قاطعا ويلتزم به المرشح بحالة وصوله للبرلمان وينفذ رأي الوثيقة بحسب تفسير كاتبيها، أمر آخر من هم كاتبو ومروجو الوثيقة، وبأي صفة يتم نشرها وطلب التوقيع عليها، بل وطلب فتح خط ساخن مع الموقع بحالة وصوله؟
هنا لا أتعرض للنوايا التي لا يعلمها إلا رب السماء والأرض سبحانه وتعالى، قد تكون نواياهم سليمة، لكن برأيي المتواضع الطريقة خطأ، والمسلك خطأ، والبلد من فضل الله لا تحتاج لمبادرات قد تفهم بشكل آخر غير مناسب، بل وتفتح بابين ليس من السهولة تجاوزهما، الأول باب النفاق والرياء- إلا من رحم الله- والآخر قد يوصم من يعارض الفكرة بأبشع الصفات، لذلك أرى أن من كتب هذه الوثيقة خانه التوفيق، وأسأل الله له ولنا السداد والخير.
علينا دائماً ألا نسلم عقولنا لغيرها وأن لانتحرج من السؤال ومناقشة ماهو غير واضح، ليس معقولا وفي هذا العصر الزاخر بشتى مصادر المعلومات أن تقود مجتمعاتنا مجموعات تسير بعكس الاتجاهات التنموية وتثقيف المجتمعات، كل زمن له ما له وعليه ماعليه، ومن لايتعلم تتعداه الأمم، وعلينا ألا نخلط بين المفاهيم، ليس عيباً أن نخطئ العيب في تكرار الخطأ، لايمكن قبول نشر منشورات تؤكد على مؤكد، وتجمع على مجمع عليه في مجتمع أصلا مسلم بل ويعتبر مثالا كأصلح المجتمعات الإسلامية، إن فتح باب المزايدات هو باب عفا عليه الزمن، والناس كبرت وفهمت ولم تعد تعطي أهمية لمحاولات فرض الرأي الأوحد، تمرير المصالح لايكون باستغلال ظروف انتخابات وإحراج المرشحين وفتح باب الرياء والنفاق.