ارفض أن تكون ضحية

إبراهيم بن سعيد الريامي

الحياة لا تخلو من بعض التحديات والصعوبات وهذه سنة الحياة، والإنسان يتعرض من حين لآخر لنماذج من هذه التحديات والصعوبات، ونعتقد في كثير من الأحيان أنَّ هذه العقبات التي نواجهها هي خارج إرادتنا ولا نكون نحن المتسببين فيها، ونعزوها لقرارات قام بها آخرون ألحقت الضرر والظلم بنا.

وفي خضم الرغبة في استشراف المستقبل وطرق الأبواب لحياة جديدة، فإنَّ شبح الماضي وآلامه أقوى بكثير من أن يتم تناسيها وتجاوزها فهي كالشريط الذي يعرض نفسه تلقائيا كل يوم في أذهاننا دون أن نشعر أو ننتبه لذلك. ونتفاجأ بأن كل محاولاتنا لبدء حياة جديدة تتعثر ولا نعرف السبب وراء ذلك، فالأبواب كما يبدو قد سدت والمتاريس قد أحكمت، وأمام هذه المعاناة لا نجد أمامنا إلا إلقاء اللوم على من تسبب في محنتنا، وهنا يكمن لب المشكلة.

السبب في ذلك يعود إلى أننا تحولنا دون إدراك منِّا إلى ممارسة عقلية الضحية. ولكن ما هي عقلية الضحية؟! وهل يمكن أن تكون السبب وراء تعثرنا الذي يحول دون انطلاقتنا المستقبلية؟

إنَّ عقلية الضحية سمة يشعر صاحبها أنَّه ضحية أفعال تسبب فيها آخرون، وتتحكم هذه العقلية في طريقة تفكير الإنسان ومشاعره بصورة صامتة وخفية دون أن يكون لديه القدرة على إدراك ذلك.

ومن مظاهر هذه العقلية أنها تلازم الإنسان أينما كان في حواره مع من يلتقيهم وفي حديثه مع نفسه حتى تصبح السمة المسيطرة عليه، والأصعب في الأمر أن الشخص يكون لديه الحجج والشواهد التي يعتقد أنها تبرهن وجهة نظره. ولعل الشيطان يلعب دورا مهما في تأجيج هذه المشاعر واستغلال ما وقع في نفسه من أفكار لتحقيق مآربه في الإيقاع بالإنسان. لكن لو تمعنا قليلا في الأمر سنجد أن ما نعتقده ظلماً قد يكون في حقيقته خيرا لنا، لكن استعجلنا فقط في النتائج. وفي ردة فعلنا حول ما هو ظاهر. ولنا في قصة سيدنا الخضر مع سيدنا موسى عليهما السلام عبرة كبيرة في نتائج استعجال إصدار الأحكام قبل أن تتكشف لنا الحكمة من ورائها.

ولذلك على الإنسان عندما يصيبه عارض لم يكن هو المتسبب فيه، عليه أولاً أن يتقبل ما وقع عليه بكل رحابة صدر. هذا لا يعني أن يتجاهل الإنسان الظلم الذي وقع عليه وعدم المطالبة بحقه إذا كان له حق فهذا أمر آخر، لكن ما أتحدث عنه هنا هو وقوع شيء خارج عن إرادة الشخص وبدلاً من القبول بما حدث والسعي لإيجاد ما يخفف من وطأته يستمر الإنسان في لوم نفسه وإلقاء اللوم على الآخرين ممن يعتقد أنهم تسببوا في أذيته.

في أعتقادي أن عدم تقبل ما حدث، يتضمن اعتراضًا على إرادة الله عز وجل، وما قد يظنه الإنسان شرا في ظاهره هو في الحقيقة خير في باطنه، لكون الخير يختبئ أحيانا وراء حجاب.

" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ". إن الاعتراض على أشياء تحدث للإنسان دون إرادته وإلقاء اللوم على آخرين بسببها فيه ضرر جسيم عليه.

كيف؟ قد نعتقد أن إلقاء اللوم على الآخرين أو لوم جهة مُعينة فيه نوع من التخفيف على النفس، وكذلك نحظى من خلاله بتعاطف الآخرين وتأييدهم لوجهة نظرنا، لكن هذا التخفيف مؤقت فهذا التعاطف والتأييد يتحول تدريجيا إلى إحباط وله تأثير سلبي كبير على النفس، ناهيك أن استمراره قد يقود إلى الكآبه ويؤثر على خلايا الجسم السليمة التي قد لا تتحمل هذه المشاعر السلبية لوقت طويل فتضعف مناعة الجسد ويكون عرضة للأمراض لا قدر الله.

أيضًا لوم الآخرين قد يؤدي إلى حبس الرزق وضياع الفرص. لماذا؟ لأن فيه اعتراض على قدر الله، لأنه عندما يلوم الإنسان جهة معينة أو شخصا معينا فإنه يعطي تلك الجهة أو ذلك الشخص قوة فوق قوة الخالق عز وجل. وتعني أيضاً أن الإنسان فقد حريته التي وهبه الله إياها وسلمها  لشخص آخر أو جهة أو حدث معين ليتحكم في حريته كيفما يشاء.  وهذا يخالف الفطرة التي خلقنا الله عليها، لأنَّ المولى عز وجل أراد لنا أن نكون أحرارا. وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه: "وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ". فكيف للإنسان أن يعطي لبشر مثله قوة فوق قوة الخالق؟ ولماذا لا يحسن الإنسان الظن بالله بأنَّ ما حدث فيه خير؟ والله يقول في الحديث القدسي "أنا عند ظن عبدي بي"، وحسن الظن بالله لا يكون بترديد اللسان ولكن بالإيمان واليقين بأنه لن يأتي من الله إلا خيرًا.

إذا كانت طاقة الإنسان مركزة على موضوع الظلم فلا استغراب أن مزيد من الظلم والتعثر سيكون في انتظاره. حقيقة يصعب على البعض تقبلها، لكن الإنسان عدو نفسه في كثير من الأحيان دون أن يعلم. لكن الجميل في الموضوع أن الإنسان قادر على أن يغير هذا المسار تماما وقادر على أن يغير عقلية الضحية تماما من خلال التركيز على مواضيع أخرى معاكسة.

فعلى سبيل المثال، ما نقيض الظلم؟ أليست العدالة! فهل يمكنني أن أبحث عن مواضيع العدالة في كل مكان وأركز عليها؟ في البداية سيكون صعبًا لأنني تعودت على أن أبحث عن مواضيع الظلم وعدم المساواة والمحسوبية وغيرها، لكن عندما أبدأ في البحث رويدا رويدا أستطيع أن أجد مواضيع العدالة، مواضيع المساواة، مواضيع الفرص المتوفرة.

يقول جلال الدين الرومي "ما تبحث عنه يبحث عنك"، بمعنى آخر أنك إذا كنت تفتش وتتحدث عن الظلم وعدم المساواة والمحسوبية، فهي تبحث عنك أيضا وستلاقيك. وفي المقابل إذا ركزت تفكيرك واهتمامك نحو مواضيع العدالة، المساواة والفرص الممكنة تكون قد حولت طاقتك إلى هذه الجوانب، وأينما تركز طاقتك واهتمامك تكون تلك نقطة جذبك. وهذا يعني مزيدا من الفرص سوف تأتي إليك. وهذا باختصار هو سبب تعثر الكثيرين منِّا في الحياة دون قصد أو تعمد.

على الإنسان أن يرفض أي تفكير وأي شعور يقود إلى عقلية الضحية مهما كان الوضع مغريا ومهما كانت الظروف التي يُعاني منها  ومهما حاول الآخرون جره إلى ذلك. وباختصار لا يمكن للإنسان أن يسلك طريقا غير سعيد ويتوقع أن يصل إلى نهاية سعيدة.

لكل إنسان قصة يرويها ويكررها كل يوم سواء مع نفسه أو مع الآخرين. وإذا كانت القصة التي ترويها كل يوم عبارة عن لوم وعتب وشكوى، عليك أن لا تتوقع أن يحدث شيء إيجابي في حياتك. في المقابل إذا كانت القصة التي ترويها كل يوم هي قصة تتسم بالرضا والسعادة بالواقع الحالي وكذلك متفائلة تجاه المستقبل، فإن النتائج ستكون كذلك.

وصدق القائل: "تفاءلوا بالخير تجدوه"، فعلى الإنسان أن يهون من أخطاء الناس ويبتعد عن اللوم والشكوى؛ لأنها تبث اليأس والحزن والإحباط.

باختصار.. غيِّر قصتك، وسوف تتغير حياتك، وصدق الله العظيم إذ يقول سبحانه وتعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم".

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة