خليفة بن عبيد المشايخي
تتشكل صور التكامل في الأسرة والمجتمع وتتأتى مظاهر الاستقرار فيهما، من خلال صور عديدة أهمها الاحترام والتقدير وإشاعة المودة والرحمة والعطف بين الطرفين، وتتعدد جوانب الانضباط والاستقامة في أركان الأسرة ومحيطها، عندما تسود لغة الحوار فيها، وتعم أجواء الحب والتفاهم عليها، ويكون نمط حياتها إجمالًا والشكل الداخلي لها، يعكس الشكل الخارجي والمجتمعي لها أينما ولت وتوجهت، وحينما يكون هناك حب واحترام وتقدير وصدق ووفاء وإخلاص، فإنه لا سبيل إلى وجود علاقات مفككة، أو مشاكل مفخخة، فحينما يفهم كل امرئ منهم دوره ومهامه أي الزوج والزوجة، وما الذي يجب عليهم فعله في إطار الأسرة والأولاد، ولا شك ستغيب الشحناء والبغضاء والعداوة والكراهية، وسيحل محلها انسجام وسعادة وراحة وتقدير.
وفي هذا السياق، إذا أتينا للمرأة، فإننا نجدها شُرِّفت من لدن رب العزة والجلال، فجُعلت أُمًّا وأختًا وبنتًا وزوجة، ولهذا فإنَّ المولى- عزَّ وجلَّ- اختصها باهتمامه وجعل لها مكانة، تمثل كل ذلك وغيره في أحد أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما جاء رجل فقال له: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك".
ومن جانب آخر، قال الشاعر حافظ إبراهيم عن المرأة الأم بأنها مدرسة، إذ قال:
الأم مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى، شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
فأي أم يا ترى ينطبق عليها قول الشاعر، ولهذا حينما ننظر اليوم إلى المرأة والرجل بشكل منفصل عن الآخر، فإننا نجد المولى عزَّ وجلَّ أعز المرأة وصانها، وأراد لها الستر والعفاف، وأن تكون على الدوام شريفة عفيفة عزيزة مصانة، فقال جل جلاله "وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ٱلْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ".
فحينما أتت مُخالفة أوامر الله تعالى ورسوله من حواء، فإنَّ وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، فضحت وعرت بيوت وقبائل وعوائل، كانت قبل السوشل ميديا لا أحد يعرف نسائهن مطلقا، واليوم للأسف الشديد نجد أشكال الخروج على الزوج والأب وولي الأمر، والخروج عن الأدب والحشمة والستر كثيرة، ونجد الخارجة عن كل تلك الحدود كالتي تعرض نفسها وزينتها لغير زوجها مشاع ومتاح وهذا أمر يندى له الجبين، ويحزن قلوب الرجال فعلا وليس الذكور.
إنَّ القصص التي نسمعها ونشاهدها في أروقة المحاكم عن حالات الطلاق شيء مهول، وشيء يبعث على الحزن والاستياء، ووالله شخصيا حينما أسمع عن حالة طلاق، فإني أحزن كثيرا لأنني أعلم بأن وراءها ما وراءها من مشاكل وكراهية وعداوة وتشرد وضياع للأطفال وسمعة سيئة.
إنِّ أبغض الحلال الطلاقَ، والخلاف بين الزوجة والزوج أمر وارد لا محالة، إلا أن إصلاح ما قبل الخلافات والمشاكل، يبدأ بوجود الدين في حياتنا، وسيدنا محمد صلى عليه وسلم قال: تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي، وكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بحاجة لمن يتفقه فيهن ويقرأهن، فالذي يظهر نفسه وزينته وجسده لغير الزوج ويكون ذلك العري والتفسخ على الملأ وفي السوشل ميديا، هل برأيك عزيزي القاري قرأ كتاب الله وأحاديث المصطفى الكريم سيدنا محمد.
أقول حينما يكون هناك خلاف بين الزوج والزوجة، ففريق يقول للزوج طلقها وخلِّص نفسك منها، وفريق يقول للمرأة اخلعيه وعيشي حياتك وبدل الزوج عشرة، والتنمية الاجتماعية ستمنحك راتبًا وستعطيك الإسكان أرضًا، وستبني لك بيتًا، وعيشي حياتك، وأولادك بدون أبوهم أو أمهم سيعيشون، فيا سبحان الله.
لم يقولوا للزوج مثلاً هل بدأت أنت بصلاح نفسك حتى المولى عز وجل يصلح زوجتك؟ ويا امرأة هل أنتِ أصلحت نفسك أولا حتى المولى عز وجل يصلح زوجك؟. وهل أحدكم عند وجود خلاف توجه ببث حزنه ومشاكله لله تعالى، فأقام الليل ووقف أمام رب الخلائق كلها، وقال له في تبتل وخشوع وانكسار، يا الله هذه زوجتي حالها كذا وكذا وكذا، فاهدِها واصلحها، ويا ربي هذا زوجي حاله كذا وكذا وكذا، فاهدِه واصلحه؟
أيها القارئ العزيز.. إنَّ الشروع في التمسك بالله والحرص الشديد على أن تكون حياتنا كلها لله، حتما سيجعل بيوتنا سعيدة آمنة مطمئنة، ويا أخي الرجل، أليس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال تنكح المرأة لأربعة لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك.
إذن.. بيدك أن تجعل زوجتك أو ابنتك أو أختك أو أمك، ذات دين إذًا أنت قبلا استقمت كما أمرت وكنت ذا دين، فحينها لن يقول لك أحد طلقها، ولن يقول لها أحد أخلعيه، لأنَّ تواصلكم سيكون مع رب العزة والجلال باستمرار دون أن يعرف الناس عنكم شيئًا، ووقتها سينصلح الحال، وسيستقيم المآل.