خليل بن عبدالله الخنجي **
من الشخصيات العُمانية التي عاصرت حكم ثلاثة من سلاطين عُمان هو رجل الأعمال موسى بن عبدالرحمن الذي ولد في مسقط عام 1902م، وهو من الرعيل الأوَّل الذين ساهموا في نهضة عُمان الحديثة في العام 1970 بقيادة السلطان قابوس بن سعيد، والسلطان سعيد بن تيمور الذي نُصِّب سُلطانًا في العام 1932م، خلفًا لأبيه السُّلطان تيمور بن فيصل، الذي حكم عُمان من عام 1913؛ حيث كان السلاطين لا يستغنون عن الأفكار التجارية والاقتصادية من أصحاب الخبرة والدراية. وهذا التقليد جرى عليه كل حُكام عُمان عبر سنين حكمهم حتى وقتنا الحاضر، من خلال مُجالَسة تجار وأعيان وشيوخ البلاد الذين لديهم الخبرة الواسعة في المشاركة في إدارة شؤون البلاد من خلال مواقع أعمالهم المُختلفة عبر مساهمتهم في تلك الفترة من الزمان في جلب البضائع من مختلف البلدان وتصدير كثير من المنتجات المحلية إلى دول المنطقة، وكان دور الحاكم- إضافة لإدارته الدولة وحفظ أمنها- تسهيل وتبسيط الإجراءات ومعالجة التحديات التي تصادف التجارة والتجار والأسواق والشؤون العامة، وبذلك تجني الدولة دخلها من الرسوم والجمارك للصادر والوارد من البضائع محل التَّعامل.
رائد الأعمال الشاب موسى بن عبدالرحمن حسن الرئيسي من بين التجار العصاميين بمدينة مسقط عاصمة عُمان، بدأ تجارته في العشرينات من القرن الماضي علمًا بأنَّه لم يخض مجال التجارة إلا بعد أن كسب خبرته بالعمل في السوق ومعرفة أسرار التجارة ومكاسبها ومخاطرها، إضافة لإلمامه الكامل باللغتين العربية والإنجليزية لغة التجارة حينها، علاوة على اللغات الدارجة في سوقي مسقط ومطرح؛ لذلك بدأ تجارة المواد الغذائية من استيراد وتصدير؛ لسد حاجة الناس من المواد الأساسية مثل: الأرز والطحين والسكر والقهوة والبرّ والبقوليات، وتصدير منتجات المزارعين العُمانيين بكميات تجارية أغلبها إلى الدول المطلة على الخليج العربي؛ حيث كانت عُمان من الدول المصدرة لليمون اليابس والتمور، خاصةً تمر الفرض والبسور والأسماك المجففة والمالح وسمن الأبقار والخضروات والجلود؛ حيث تزخر البلاد بتنوع مناخي يُؤهل المزارعين لإنتاج غلال متنوعة حسب موقع مزارعهم. فمثلًا سهل الباطنة يشتهر بزراعة المانجو والليمون العُماني خاصةً ما يعرف بالصحاري والبيذام والزيتون والتمور المخصصة كأعلاف للحيوانات، بينما يزرع في داخلية عُمان وشرقها ذات التضاريس الجبلية الجافة أنواع من التمور والمانجو، أما المنطقة الجنوبية (ظفار) فكانت تشتهر باللبان والنارجيل وبعض الفواكه الاستوائية وسمن الأبقار والجمال.
منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ومع بدايات الأعمال في استكشاف النَّفط في عُمان ودول المنطقة بدأ الحاج موسى عبد الرحمن تطوير تجارته بمساعدة ابنه عبدالله بن موسى وتلاه ابنه علي بن موسى؛ حيث تطورت فروع الشركة وأنشطتها في الاستيراد من مضخات المياه ومولدات الكهرباء والسيارات والمركبات الثقيلة وقطع غيارها واستيراد البترول المكرر والكيروسين والديزل، وبذلك توسعت تجارته وذلك بفتح محلهم الثاني على ساحل مطرح؛ حيث كان يُداوم فيه وقت المساء بجانب حضوره الشخصي صباحًا في محله بمسقط أمام قصر العلم. وبدأ تشييد محطات BP لتوزيع النفط والكيروسين والديزل في كل من ريام ومطرح والسيب وبركاء والسويق والخابورة وصحار وبعض الولايات الأخرى في الباطنة. وإضافة لعمله بالتجارة، شارك تجّار مسقط وأعيانها في إنشاء محطة للكهرباء في مسقط، تلتها محطة أخرى في مدينة مطرح، واستمرت أنشطة شركته خلال السبعينيات؛ حيث شارك التجار في تأسيس فندق الفلج والمطاحن العُمانية وشركة الموانئ لإدارة ميناء السلطان قابوس وإنشاء مصنع "بيبسي كولا" والأسمنت وبنك عُمان والبحرين والكويت وشركات مُساهمة عامة مُتعددة، وكذلك توسع في قطاع المقاولات والتأمين وبيع السيارات الفارهة والإلكترونيات؛ حيث تابع- رحمة الله عليه- شؤون تجارته حتى وفاته في العام 1987؛ حيث انضم قبل ذلك حفيده محمد بن عبدالله بن موسى في العام 1978 للمشاركة في إدارة الشركة وفروعها في جميع أنحاء البلاد، ومازال أحفاده الذين يمثلون أبنائه وبناته الخمسة يديرون الشركة حتى الآن من خلال مجلس المديرين لشركة موسى عبدالرحمن حسن (ش.م.م).
ومن المُهمات التي كُلف بها المغفور له بإذن الله الحاج موسى من قبل السُّلطان قابوس- طيب الله ثراه- عضويته في لجنة تأسيس غرفة تجارة وصناعة عُمان بجانب عدد من تجار عُمان وهم المغفور لهم علي بن سلطان فاضل ومحسن حيدر درويش ومحمد عبد الرسول الجمالي، إضافة لمرتضى بن حسن بن علي حيث ترأس اللجنة معالي محمد بن الزبير بن علي، وكذلك تم تعيينه من قبل السلطان عضوًا في لجنة حسم المنازعات التجارية برئاسة سعادة علي داؤد الرئيسي وكيل وزارة التجارة في حينه وكذلك تمَّ تعيينه في عضوية مجلس النقد العُماني برئاسة سعادة محمود محمد مراد الرئيسي رئيس مجلس النقد العُماني آنذاك. أما في عهد السُّلطان سعيد بن تيمور فقد عينه- طيب الله ثراه- في عضوية المجلس البلدي لمسقط ومطرح برئاسة الوالي إسماعيل الرصاصي والي مطرح وبمعية مجموعة من الوجهاء والمعنيين في المجال البلدي بالإضافة لما كان يكلفه جلالة السلطان سعيد من مهمات اجتماعية.
أما الأعمال المُجتمعية الأخرى فقد تمثلت في خدمة العُمانيين المغتربين في شرق أفريقيا ودول الخليج العربي من حيث الحوالات المالية وخدمة توصيل البريد الذي كان نادرًا في تلك الفترة إلا من خلال تجار السوق في مسقط ومطرح.
الشيخ موسى عبدالرحمن وآخرون من أعيان البلاد ووجهائها كانوا من ضمن الشخصيات التي تُعتبر حسب البرتوكول العُماني من كبار الشخصيات الرفيعة في البلاد الذين تمَّت تسميتهم من قبل السلطان قابوس في بداية عهده وهم (مع حفظ الألقاب): موسى بن عبدالرحمن بن حسن الرئيسي، ومحمد بن عبدالله بن أحمد الخنجي، وجعفر بن عبدالرحيم بن جعفر البهبهاني البحراني، وأحمد بن محمد بن عمير الهنائي، وطالب بن مُحمد الزكواني، وعلي بن سلطان بن فاضل، وسهيل بن سالم بن عبدالله بهوان، وسعود بن سالم بن عبدالله بهوان، وحسن بن علي بن عبداللطيف آل عبداللطيف، وعلي بن زاهر بن غصن الهنائي، وسالم بن حمد الرواحي، وزاهر بن حمد الحارثي، وعلي محاد المعشني، وسعيد بن راشد البلوشي، ومالك بن إبراهيم بن سيف الكندي.
كتبتُ هذه السيرة العطرة عن رجل الأعمال الوجيه الجليل الحاج موسى بن عبدالرحمن حسن الرئيسي ليس لأنه جدي لأمي، ولكن أولًا وفاءً لروحه الطاهرة لما قدَّمه لعُمان، وثانيًا كي يستفيد من سيرته رواد الأعمال العُمانيين حديثي المُمارسة لريادة الأعمال؛ ليأخذوا من سيرته العبر، كما نأخذ نحن أحفاده منه الفخر والعزة في التفاني والعمل الدؤوب والصدق والأمانة، وكلها من صفات التاجر الأمين. أمّا اجتماعيًا فنأخذ منه- طيب الله ثراه- صلته لأرحامه وزيارة المرضى والأخلاق الحميدة والعطف على الصغير واحترام الكبير.
هذه هي صفات أهل عُمان من كبار السن وأعلامها الأوائل الذين نستمد منهم الدروس اليومية في حياتنا ونأخذ من طبائعهم القوة والإباء والإصرار؛ لنكون خير خلف لخير سلف، ونخوض التحديات لإعادة جزء من سيرتهم العطرة وممارسة الأعمال الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية التي تعد مرادفة للأعمال التجارية، ونشارك في الأنشطة المجتمعية في المجالس والسبلات العُمانية ومؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، التي لا تكتمل منظومة الدولة إلا بتكاملها مع الجهود التي تبذلها الحكومة الموقرة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي نتعلم منه فن الإرادة والإدارة للدولة باقتدار وتفانٍ، من أجل غدٍ أجمل لجموع أهل عُمان.
** الرئيس الأسبق لغرفة تجارة وصناعة عُمان