كيف نواجه تحديات التعليم؟

 

مرتضى بن حسن بن علي

التعليم الذي يستقبل الإنسان الصغير من الروضة وهو ابن الرابعة، إنما يرتبط به هذا الإنسان الصغير أكثر من ارتباطه بالمؤسسة الأم، أي المنزل والأسرة أو مؤسسات المجتمع الأخرى، وتظهر تأثيراته بعد فترة تتراوح بين 17 إلى 23 سنة، عندما يُلقى بالمُتعلِم في معركة الحياة وميدان المنافسة، وتقدم المدرسة النقدية في علم اجتماع التربية، أكثر الرؤى شمولًا، سواءً في فهمها أو تحديدها لأبعاد النظام التعليمي وعلاقاته، ومضامينه، أو بتحليلها أدواره المختلفة وتفسيرها لأوضاعه، من خلال أسس تاريخية جدلية شاملة، مرتبطة بسياق بيئته الاجتماعية، وعلاقاته الخارجية: (إنِّه كما يكون المجتمع يكون التعليم أو كما يكون التعليم يكون المجتمع)، بمعنى أنَّ حال التعليم يكون حصادًا لمجمع العلاقات الجدلية التي يدخل التعليم طرفًا أساسيًا فيها.

ومن أجل تحسين مستويات التعليم، وإيجاد حلول لمشاكله المتراكمة، قد يكون مفيدًا النظر في النقاط التالية:

  1. إجراء دراسة شاملة للكفاءة الداخلية للنظام التعليمي، وذلك من خلال التركيز على تجويد المُقررات والارتقاء بمستويات الجهاز الإداري والتعليمي؛ لتكون بمستوى نظيراتها في الدول المتقدمة، ومتناغمة مع احتياجات سوق العمل المتغير والوظائف المستقبلية، وإجراء مقارنات مع مستويات الطلبة في ذات المراحل في الدول المتقدمة، والتعرف على أسباب الاختلافات، والوصول إلى استنتاجات عن طبيعة المؤثرات والمستجدات المدرسية والتعليمية المؤثرة على الكفاءة الداخلية للنظام التعليمي العام، إضافة إلى تقويم التحصيل الدراسي عن طريق إجراء مقابلات مستمرة لعينة ممثلة للطلاب في كل مرحلة دراسية للتعرف على مدى ما استوعبوه، ومدى جاهزيتهم للانتقال إلى المرحلة التالية، على أن تتم الدراسة من لجنة متخصصة مستقلة عن الوزارة، ويكون فيها أعضاء متخصصون من عُمان ومن الدول المتقدمة في التعليم.
  2. جعل تعليم الأطفال من عمر الرابعة إلى التحاقهم بالمرحلة الابتدائية جزءًا أساسيًا من التعليم العام، وتوفير الطاقم التعليمي المناسب.هذا سوف يتطلب قسما خاصا في كلية إعداد المعلمين تقوم بإعداد معلمين يعرفون كيفية التعامل نفسيا واجتماعيا وتعليميا مع تلك البراعم الصغيرة.
  3. إجراء مقابلات شخصية مع جميع الطلبة المنتهين من الصف العاشر للتعرف على الراغبين منهم في الالتحاق بالجامعة، وحصر الدراسة في السنتين الأخيرتين في مواد محددة، حسب نوع الدراسة التي يرغبون في مواصلتها. والطلبة الراغبون بمواصلة دراستهم في العلوم الطبية والزراعية إلخ..، يتم تدريسهم مواد الكيمياء والفيزياء وعلم الأحياء والرياضيات وباللغة الإنجليزية، والراغبون في الالتحاق بالكليات الهندسية والتقنية، يتم تدريسهم مواد الرياضيات والمواد المتعلقة بمجال دراستهم فقط وباللغة الإنجليزية، ونفس الشيء للطلبة في القسم الأدبي. أما الراغبون بالالتحاق بسوق العمل مباشرة، فيتعرضون إلى دروس نظرية وعملية باللغتين العربية والإنجليزية، ولغة أخرى، وبعض الجوانب من الرياضيات، والحاسب الآلي، وغرس مهارات التعاون، والتخاطب والتواصل، وأخذ المبادرة، وحل المشكلات، وأخلاقيات العمل.
  4. إعداد معلم الغد يتطلب اختيار أحسن الطلبة في امتحان الدبلوم العام، والحائزين على أعلى الدرجات، واختبار مدى امتلاكهم لمهارات التواصل والقدرة على التعامل مع التلميذ الصغير في المدرسة.
  5. إيجاد برامج شاملة لإعادة تعليم وتدريب جميع المعلمين الحاليين وبصورة مستمرة.
  6. نقل المسؤولية التدريسية من الوزارة إلى مدير المدرسة، وتقديم جوائز مادية ومعنوية للمديرين والطاقم التعليمي للمدارس المتفوقة ونشرها من خلال كل وسائل الإعلام لإيجاد تنافس بين المديرين والمدارس.
  7. من الضروري أن يكون المدير متميزًا في مجال الإدارة، وخريجًا من الكليات الإدارية وله سجل واضح من النجاح في الأعمال الإدارية، وتعيينه بصورة مستقلة من خلال عقد عمل مستقل، وبعد إجراء سلسة من المقابلات الشخصية لاختيار الأفضل وتوضيح المهام المناطة به ومراقبة أدائه حسب مؤشرات كمية ونوعية واضحة ويمكن قياسها وتوسيع صلاحياته حسب إنجازاته، منها صلاحية اختيار المدرسين والموظفين الإداريين في المدرسة، بحيث يقدر إدارة أكثر من مدرسة واحدة في منطقته وإعادة تدريب كل المديرين الحاليين وترقيتهم حسب أدائهم وإنجازاتهم المحققة، وليس وفقًا للأقدمية.      
  8. تقنين الهدر المالي المباشر وغير المباشر. وغير المباشر يتمثل أساسًا في نوعية التعليم المتبع حاليًا من حيث مدخلاته ومخرجاته، ونسب التسرب والترسب، أما الهدر المباشر فيتمثل في وجود أعداد كبيرة من الإداريين والموظفين الفائضين عن الحاجة والمشتريات وطرق التخزين والسفر، إلخ.
  9. إعادة النظر في توجهات رؤية "عُمان 2040" حول منح كل طالب يرغب في التعلم بالمدارس الخاصة، مبلغًا من المال يعادل نصف ما يكلف الوزارة، وهذه الخطوة ستساعد على تقليل الضغط على الوزارة، واستعمال تلك الأموال لإجراء تحسينات في التعليم، وإعطاء أولياء الأمور حرية الاختيار. وهذه الخطوة ستؤدي إلى إنشاء مزيد من المدارس الخاصة وزيادة المنافسة بينها.
  10. التفكير الجدي بإنشاء مدارس نموذجية للموهوبين، وفئة الموهوبين في أي مجتمع قليلة، وتستحق منحها أحسن الفرص وأفضلها، لكي تتمكن من الحصول على تعليم متميز، يتناسب مع قدراتهم وإمكانياتهم.
  11. تعليم الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية من الصف الأول الابتدائي. وتشير المؤشرات والاستبيانات والتمرينات والتقييمات آلتي أجرتها الوزارة نفسها وكذلك تلك التي أجرتها مؤسسات دولية إلى أن كثيرا من الطلبة سواء الحائزين على شهادة الدبلوم العام أو المتسربين من النظام التعليمي، يعانون من الضعف الشديد في مادتي الرياضيات والعلوم التي تعتبر الأساس لتطوير المعارف، كما هي العصب الحساس في الدراسات العلمية والعملية والتقنية والمحاسبية والتجارية، وتعاني الشركات صعوبات في إدماج كثيرا من الباحثين عن عمل أو العاملين فعلا، الأمر الذي يؤثر على تشغيلهم أو على ترقياتهم ورفع مستويات أجورهم.
  12. إيجاد الأنشطة اللاصفية المتعددة مثل السفرات المدرسية داخل البلد وخارجه، وفرق الكشافة، وهذه الأنشطة تلعب دورا إيجابيا في توثيق علاقة الطالب بمدرسيه والطلبة الآخرين، والابتعاد عن أجواء الرتابة، والطلبة بحاجة إلى التغيير بين فترة وأخرى لتجديد نشاطهم، السفرات المدرسية تساهم بالاطلاع على مراكز ووسائل الإنتاج المختلفة، مثل محطات توليد الكهرباء أو معامل تكرير المشتقات النفطية، وتحلية المياه إضافة إلى المعالم الأثرية والطبيعية.
  13. تشجيع الطلبة على القيام بأعمال التطوع المختلفة التي تساعد على نشر روح التعاضد والتكاتف في المجتمع، وتعميق ثقافة التواضع، والعمل التطوعي بحد ذاته يعتبر قيمة كبيرة يعود بالنفع على المتطوع والمجتمع ككل، والمتطوع بما سوف يقوم به من بعض الأعمال، سوف يساعد على نشر شعور الإحساس بالآخرين ونشر روح التعاون، كما يضيف قيمة نوعية في المجتمع، ويعزز الثقافة الإيجابية، وينمي روح الولاء والانتماء للوطن، ويهيئ المتطوع بدنيا ونفسيا للخدمة الوطنية لاحقا، وينمي روح الفريق والعمل الجماعي والالتزام، بالإمكان تعليم وتدريب المتطوعين في أعمال تنظيف بعض الأجزاء من المستشفيات، أو المشاركة في زرع الأشجار في الأماكن العامة من شوارع وحدائق، أو المشاركة في تنظيم المرور والقيام ببعض أعمال التمريض وخاصة الطالبات، ليتمكنوا من المساهمة  في حالة وجود المخاطر الصحية والقيام بالإسعافات الأولية في الحالات الطارئة.
  14. إلحاق الطلبة بالتدريب العسكري في جميع المدارس تدريجيًا؛ فالتدريب العسكري يبني روح الولاء والانتماء للوطن والانضباط، كما يُنمي روح الفريق والعمل الجماعي واللياقة البدنية والاعتماد على النفس، ويمكن تدريب الطالبات على مهن أخرى تتناسب معهن مثل مهنة التمريض والإسعافات الأولية التي سوف تساعدهن على التصرف الصحيح بسرعة وبشكل لائق عند الحاجة والخياطة والطهي.
  15. تقليل المقررات غير الضرورية، والتي لا تفيد الطلبة في حياتهم المهنية المستقبلية والمليئة بالحشو والتعقيد، والتي تقيس مستوى الحفظ وليس مستوى الفهم والتفكير ولا تهتم بالجوانب المهارية، وتشجيع الطلبة على توجيه الأسئلة، وتنمية الإبداع، والتفكير المنطقي والنقدي، وحل المشكلات، والابتعاد عن الطابع النظري، أو استعمال السبورة والطباشير في عصر التكنولوجيا.
  16. التركيز على تعليم وتدريب الطلبة على أربع مهارات مهمة في القرن الـ21 وهي:

أ- التفكير الناقد

ب- الإبداع

ج- التعاون

د- التواصل

باختصار.. إنَّ التعليم يحتاج إلى فلسفة ورؤية مختلفة، ونحن في حاجة مُلحَّة لإيجاد طرق ووسائل مختلفة جذريًا لتنمية القوى البشرية لإحداث نقلات نوعية في مجال التعليم في سلطنة عُمان.