صدى الكلمات وجنون المعاني

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

نحن في زمن صناعة الكلمة بطريقة احترافية لتؤدي المعنى الدقيق الذي يكمن في بطن كاتبها، والذي يُريد إيصاله لجمهوره ومُتلقيه؛ فالكاتب حين يكتب ما يكتب، تولد الكلمة- إنْ جاز التعبير- ويُدرك تمامًا كيف سيتلقّى القارئ تلك الكلمة، وهو مع ذلك يصنفهم إلى أصناف؛ فمنهم عنده من يكتفي بظاهرها (بالقشرة الخارجية) ويحملها على ظاهرها، ومنهم من يُدرك مدى انتمائها لسياقها الذي نبتت فيه وعلاقتها بجيرانها، وصنف ثالث يغوص في الأعماق (في أعماق كاتبها)، فيشرّحه تشريح المشرحة، فيدرك مدى خُبثه إنْ كان خبيثاً، ويعلم صدق عاطفته من عدمه، ويفهم المعنى المخبوء الذي غطّاه ولحّفه بقشرة تسلب الألباب وهو يرمي إلى غيره ولا يفطن له إلا الحاذق الغوّاص.

إنها الكلمة وتأثيرها العميق؛ فكلما كانت ركيكة في مبناها مبتذلة في مغزاها وصلت هامدة إلى مُرادها، وكلما كانت عميقة المعنى قوية المبنى يُسمع صليل حروفها وقعقعة رعدها، ويُرى بريق سناها يكون تأثيرها أخطر، ولمرادها أسرع، وأشبهت في خطرها وقوة تأثيرها ووقعها على النفوس القنبلة وذلك السحر الحلال.

وعلاج ركاكة الأسلوب وابتذال المعاني يكمن في كثرة القراءة للكتاب الألمعيين الذين خطَّ يراعهم سحرا ليس كالسحر، فتلك مؤلفاتهم شاهدة على ذلك بأسلوبها البليغ، وسبكها وصياغتها الرصينة ومعجمها الجزل.

ومع ذلك فإنَّ المرء مطالبٌ بأن يشحذ ويغذي قلمه بالمفيد الجديد، وأنْ لا يبتغِ بما يخطه بيمينه شهرة تطبق على الخافقين، وأنْ يُدرك تمام الإدراك الحق الواجب على قلمه وأمانة العلم تجاه غيره.

فهنيئاً للوطن تلك الأقلام التي تزرع الخير بغراس حروفها، وتبث المحبة والإخاء والوئام بين أفراد المجتمع وتبني الأوطان بتشخيصها الداء ووصف الدواء.