لا بُدَّ لي!

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

لا بُدَّ لي أن أبدأ من جديد وأن أواجه مر الحياة وأصارعها وأتحدى أزماتها الكثيرة وألغي كل الوجوه التي لا جديد معها ولا أمل في تغيرها للأفضل ولا حياة لها في المحيط المجاور.. الوجوه التي تسعى لتدمير سعادتنا وتحاول جاهدة دس السم في طرقاتنا وتحاول أن تزرع الأحزان في أيامنا والتي قدمنا لها الأفضل ولم نجد سوى نكران الجميل.

يحدث أن تزرع الورد في مكان غير قابل للزراعة، ويحدث أن تغرس فسيلةً وتسافر، ثم تتوقع أنها ستموت فيأتي المطر ويسقيها لأن إرادة الله أقوى، وجبر الله كبير وعظيم. أما المتربصون والحاقدون والذين يشعلون النيران في طرقاتنا سيحترقون بها وسيموتون.. هكذا كورقة سقطت من على شجرةٍ عملاقة، ورغم سقوطها الذي أتى بفعل الرياح كان سقوطًا خفيفًا لم نسمع به ولم يحرك ساكنًا؛ لأنه لا صوت له. هكذا هم دائما المحبِطون الفاشلون عندما يسقطون، لا نسمع لهم صوتًا، يختفون سريعًا، لكن رياح غدرهم تبقى في كل الزوايا مشيرة إليهم.. ولكن بعد ماذا؟!

لا بُدَّ لي أن أمضي قدمًا وأحذف كل المآسي التي تواجه أيامي المتعبة وكل تلك المنغصات، أمضي قدما وأشعل شموع الأمل فالقادم أجمل والحياة لا تقف على أحد أمضي قدما وأصنع من الماضي درسا وأبدأ من جديد.

هكذا كانت تحدث نفسها عندما ظنت أن الحياة ستقف على أولئك الغادرين ولكن هيهات أن يحدث ما أرادوا، فقريبا ستضحك الحياة وتتبُدَّل الأحزان وتتغير الصورة القديمة العتيقة المغلفة بالأسى.

هناك حيث يقبع الحلم المسجى على قارعة الذكريات القديمة، هناك قد بدأ يتشكل وبدأت تلك الصورة في الاكتمال شيئا فشيئا ، وبدأت في تحديث بياناتها التي كان لابُدَّ لها أن تحدثها يوما وفي الوقت المناسب.. حزن عميق كان يسكنها وكان يحيط بزواياها وبأيامها.

الليل الطويل.. والحزن العميق.. والصبح الباهت.. ومكانك الفارغ.. ودربك المهجور.. وصوت خرير الماء.. والنوارس التي تعبر الشاطئ حزينة لأنك لم تعد لتطعمها ، حديث القمر.. مسافات النجوم.. صدى صوتك.. دشداشتك الزرقاء الغامقة.. صالة الأفق.. المحيط الكبير.. الزوايا المغلقة.. ووجهي.

أفكار تأتي وتذهب وتعبر رأسي الذي تعب من التفكير.. فكرت طويلا ولكن شيئا ما لم يتغير ولازلنا ندور في نفس الزوايا نفس التفاصيل نفس المرايا ونفس المكان ولكنه حديث الأرواح.. الأرواح فقط.

يخيل إلينا أننا اجتمعنا وبدا لنا ذلك العناق الأبدي وذلك الشوق قد انتهى، ولكن هيهات هيهات..

ظرفٌ مرسل في الحلم يخبرنا أنك بخير وصحة جيدة، فهل الأموات يشعرون أنهم بصحة جيدة؟! ربما هم يحسون أكثر منا، فنحن في رحمة من رحمات الله، والله يتغمدنا برحمته.. كم يحبنا ربنا لدرجة أنه عندما نقاسي مرّ الحياة تأتي الأيام الجميلة لتنسينا أحزاننا وهمومنا وما كنا قد مررنا به؟! إن عوض الله جميل، وأن العوض قادم، وأنهم لن يغلبوك.

ستتقدم وستثمر تلك الفسيلة التي زرعتها وستشعل النور في ذلك الشارع المظلم وذلك الشارع الذي كانت تسكنه العتمة.. عتمة الأيام والشخوص والظروف.. عتمة المرايا المتسخة بهم وبأكاذيبهم المتكررة.. عتمة الأسى.. هكذا كنت عميقًا في كل شيء وعظيمًا في كل شيء، وإنسانًا لا يشبه الناس المحيطة به، إنسانٌ صادقٌ.. صادقٌ جدًا مع نفسه ووطنه وبلده ومحيطه ونوارسه التي تحوم على الشاطىء وحبه العميق للأشياء وتعلقه بها.