طباخ السعادة

 

عائض الأحمد

تفاجأت بأصغر أبنائي وهو يُصفق كفًا بكفٍ، ثم يضع يده على رأسه، والدهشة تسبق تعابير وجهه وكأنني أتيت بما يدهش حقًا، متسائلًا لماذا قنوات الطبخ والمطبخ بدلًا عن وكالات الأنباء الأخبارية، وشغف المتابعة وتتبع أخبار العالم في السياسة، والمال والاقتصاد، إلى فطائر البيض اليابانية، مرورًا بأكل الشوارع الهندي، إلى برجر الأمريكان!

ما هذا الانقلاب الذي يعتقد ابني أنَّه غير محمود بعد أن اعتاد على والده بنظام وطقس مُعين، ثم اختار أن يستبدله بما يُبهجه ويرفع عنه "دوشة" هذا العالم وكذب هؤلاء القوم وتصدير العنف وسحق الشعوب تحت وطأة نظريات الحروب والمجاعات ونشر الأوبئة واستعداء فقراء العالم وسحق ما بقي لهم من كرامة.

تخيل معي أن تنام وتصحو فتجد قوت يومك المعتاد ارتفع سعره إلى النصف هكذا دون مبرر ثم يأتيك أحدهم مبررًا بأن المصدر أصابهم جفاف وتقطعت بهم السبل والفقر قطع أوصالهم ولا تنسى أجور النقل والحقيقة أنَّ هذه "الديباجة" مصدرها هذا التاجر الجشع ومن أطلق يديه دون حسيب أو رقيب وكأن السوق المفتوح فتح جهنم على لقمة العيش فحسبنا الله ونعم الوكيل.

هل تبدأ يومك بخبر اعتداء وقتل وتشريد، أم بتهديد دول نووية تتصارع على بسط نفوذها ونحن نهلل لهذا ونتمنى زوال ذاك وكأننا جمهور كرة ننتظر الهدف ثم نحسب أين موقعنا فنجد أنفسنا في المرتبة الأخيرة، وكأن انتصار هذا أو سقوط الآخر تحصيل حاصل.

بعد كل هذا أو ليس المطبخ وإن جفت منابعه أكثر صدقا وتشويقا مع يدي هذا الخباز الشهير الذي يبدأ بالعجن وليس كعجين أصحاب الأهواء، ثم يخرج لك ما تتمناه دون إضافات تضر بصحتك أو سخرية من مشاهد يترقب قول كلمة حق.

لم أعد أشعر بضيق في التنفس أو الالتفات يمينا ويسارا بغية استيعاب ما أسمعه، أضف لها برود الأعصاب والاستمتاع بيومي خالصا دون مشقة تصديق أو تكذيب ما أشاهده.

ختامًا.. قبل أن أفقدك أعلم بأنني فقدت نفسي.

ومضة: مصدرنا واحد ونقلنا مختلف.

يقول الأحمد: ليس الوداع نهاية المطاف، لمن حمل مشاعر لن تنسى.