"الترند" والتسمم المعلوماتي

 

عمرو العولقي

 

ربما تبادر إلى ذهنك ما هو التسمم المعلوماتي؟ وكيف للمعرفة أن تصبح سُمًّا!

نعلم أن التسمم هو دخول أي مادة ضارة سواء طبيعية أو مصنعة أو ملوثة إلى جسم أي كائن بكمية معينة فتحدث ضرارًا قد يكون مؤقتًا أو دائمًا.

أما التسمم المعلوماتي؛ فهو ببساطة دخول كمية معلومات سامة لمستقبلات العقل البشري نتيجة تلقيه بشكل متواتر كمية مهولة من المعلومات الصحيحة والمغلوطة، والتي بدورها قد تشل العقل وتصيبه بالجمود الفكري فتضيع الحقيقة أحيانا، فيدخل لدهاليز الضياع والتشتت، ثم مرحلة تغيير الفكر والسلوك السليم بشكل جذري بحسب أجندات وأفكار موجهة ومتبناه من مصادر تلك المعلومات السامة.

وعلى سبيل المثال لتلك السموم المعلوماتية موجات مايسمى بـ"الترند". وإن تساءلنا من أين تأتينا تلك السموم المعلوماتية؟ فالإجابة واضحة، مؤكد أنكم توقعتم ما هي؟ نعم إنها شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي بمختلف أنواعها !

لايخفى على أحد أن العالم أصبح يتناقل المعلومات عبر تلك البرامج في ثوان معدودة وربما أثناء حدوثها في الوقت الفعلي، بحيث نتلقى هذه المعلومات بكميات مهولة وهنا يكمن الخطر الأعظم حين تغلف لإيصال رسائل مشفرة لتغيير الفكر وتسميم العقول وتغيير المفاهيم أو تقبل التغيير بصفة عامة قد يميل بعض افراد المجتمع إلى تقليد الآخرين تحت شعار "التريند والمحتوى".

هناك الكثير من المعلومات المفيدة في تلك البرامج بمختلف أنواعها لا ننكر ذلك،ولكن! بدأت تلك البرامج تصرح علنا بدعمها لأفكار دخيلة على مجتمعاتنا المحافظة حيث أصبحت تدعم المثلية والشذوذ مثلا! وصناعة المرأة الموديل أو السوبر مودل، فيكون المحتوى هو جسد يعرض بعد تعرضه لعشرات عمليات التجميل، وكأنها ترويج للمرأة كسلعة، وتنجذب كثير من الفتيات نحو ذلك الفخ، ظنا منها أنها أصبحت مرغوبة ومحبوبة، و تلك الأفكار السامة تنتشر بين مختلف الفئات العمرية للمجتمع فتقوم بالترويج لها عبر المنصات، الألعاب،الأفلام وغيرها الكثير، والمواقع.

لذلك نجد أن معظم تلك البرامج تشترط تسجيل العمر والجنس ليسهل عليها تحديد المحتوى الذي يناسبك!

ويبقى السؤال: هل نستطيع إيقاف ذلك؟

من منا يستطيع منع تلك المعلومات السامة من التدفق داخل منازلنا وبين أطفالنا وعبر شاشاتنا، وإن استطعنا منعها داخل بيوتنا فكيف سنمنع تلقيها من خارج أسوار البيت والمدرسة ومقرات العمل؟

إذا دعونا نتفق أننا أصبحنا محاصرين ببحر من المعلومات عبر مختلف برامج التواصل الإجتماعي والترفيهي على الأخص، وبأننا لن نستطيع مهما بذلنا من جهد منع تدفقها إلى عقول شبابنا وأطفالنا وبما أننا توصلنا لهذه الحقيقة فقد وضعنا الأصبع على ذلك الجرح النازف فهل بالإمكان وقف النزف؟ كيف ذلك؟

دعني أخبرك ببعض الحلول بحسب وجهة نظري المتواضعة، مثلًا: استخدام نفس الأسلوب الذي تعتمد عليه تلك المنصات والقيام بنشر المعلومات المضادة لها ونشر الوعي بحقيقة تلك المنصات وزيادة التركيز على الفئة العمرية الصغيرة، وتحصينهم بتقديم معلومات مواكبة لما يحدث حولهم، بحيث يستطيع الطفل التمييز بين ماهو مدرب عليه في تجنبه وبين ماهو جديد لا يعرفه و يحتاج لاطلاع أهله عليه.

وبالنسبة للكبار علينا أن نكون قدوة، ونبدأ بتجنب ركوب موجة التريند والتعلق بأي شي يطلق عليه هبة، تجنب الأخذ والرد في القضايا التي تشعر بأنها تمضي في إتجاه خاطىء، قد يصيب المجتمع أو الوطن بأذى.

الترند ليس سباقًا، ولا طائرة ستوصلك لمكان هادئ وبعيد، إنما هو مرتع لكثير من الذين لا يشغلهم سوى لوحة مفاتيح وشاشة، ولا هم لهم سوى إثارة الضوضاء، وحين نرى التريند علينا أن نقيس مستوى الفائدة المرجوة فإن كانت المشاركة لا تعود علينا بالنفع ولا بالفائدة فلنترك الخلق للخالق والتريند للذباب الإلكتروني.

تعليق عبر الفيس بوك